بقدر ما أسعد المرء تصرف وزارة الخارجية العراقية وكياستها في التعامل، مع تصريحات الرئيس حسني مبارك حول العراق، وأعتمادها الفطنة الذكية وألأساليب الدبلوماسية في هذا التعامل المسؤول، بقدر ما كدر وأصاب بخيبة أمل وأسف كبيرين، لجوء الحكومة العراقية الى أتخاذ قرارها بمقاطعة الحضور الى لقاء وزراء الخارجية العرب المخصص للأزمة العراقية بتأريخ 12/4/2005..!؟

فمهما كانت المبررات التي ساقها السيد رئيس الوزراء، والتي وقفت وراء اتخاذ القرار المذكور، فهي، في تقديري، لا ترقى الى تلك الدرجة التي تدفع بأعضاء الحكومة، الى تناسي الحالة العراقية المأزومة، وألأندفاع وراء سورة الغضب وألأنفعال لتجيز مثل هذا القرار، مما أزم الموقف الى أكثر مما هو عليه، ودفع بأتجاه تصعيد ردود الفعل التي بدأت مظاهرها تطفوا على سطح الساحة الداخلية..!؟

المعروف في حالة التعامل مع ألأزمات التي تحصل فيما بين الدول المختلفة، أن تلجأْ هذه الدول الى الوسائل والطرق الدبلوماسية المعهودة، وضمن قواعد القانون الدولي وألأعراف الدولية، آخذة مصالح دولها بألأعتبار..! فهل كان في قرار الحكومة العراقية ما يغني ويدعم موقف العراق ويفي بألتزاماته..؟ وهل كان في هذه السرعة في أتخاذ القرار، ما يعكس نفس أهتمام الحكومة العراقية في معالجاتها للأزمات ألأخرى..؟ فهل على سبيل المثال، يحضى ألوضع ألأمني بنفس هذا القدر من ألأهتمام الذي حضيت به تصريحات الرئيس مبارك المدانة..؟

أن الشيعة في العراق ليسوا بحاجة لأثبات وطنيتهم أمام ألآخرين، وهذا ما عبر عنه شخصيا حتى رئيس الوزراء السيد الجعفري في مؤتمره الصحفي بتأريخ11/4/2006 بكل جلاء..! أما مقاطعة حضور جلسات أجتماع لجنة وزراء الخارجية العرب المتعلقة بالملف العراقي فهذا شأن آخر؛ شأن يتعلق بدولة عضو في الجامعة العربية، وما يترتب على هذه العضوية من ألتزامات أدبية وسياسية، ناهيك عن أن العراق اليوم في وضع يتطلب منه أن يكون أكثر فعالية مما كان عليه سابقا في علاقاته على صعيد الجامعة العربية، على أقل تقدير..!

لقد كان من مصلحة العراق الوطنية حضور السيد وزير الخارجية للأجتماع، فبهذا الحضور كان بأمكان السيد الوزير أن يثبت وبشكل واضح، كيف أن العراق لا يتأثر بتلك ألأصوات التي تريد النيل من سمعة الطائفة الشيعية أو أي طائفة أخرى من مكونات الشعب، ولسجل بحضوره موقفا أكثر أيجابية من موقف المقاطعة التي أقدمت عليه الحكومة وهو موقف سلبي من الناحية السياسية على أي حال..! ولكان حضوره اللقاء شاهدا قويا على التأكيد المباشر: بأن أي أساءة الى مكون من مكونات هذا الشعب أنما هو أساءة لوحدة الشعب بجميع مكوناته..! فأن حضور العراق لمؤتمرات الجامعة العربية، سيكون له تعبير مؤثر يعكس حقيقة وحدة هذا الشعب..! أما غيابه فلا يعني ألا عزلته عن محيطه العربي، وضعف دوره في التأثير بألأحداث..!

أن المقاطعة لحضور ألأجتماع، رغم ما قيل عنها؛ بأنها تعبير عن رفض وأستنكار العراقيين لتصريحات رئيس الدولة المصرية، فأنها من الناحية الموضوعية والسياسية، وفي هذا الظرف بالذات، لم تخدم أهداف المصلحة العراقية، في تأمين الدعم والمساندة للشعب العراقي، وهي مطلوبة، للخروج من مأزق النفق المظلم الذي هو فيه، وفي ألقاء الحجة على ألأخوة أعضاء الجامعة العربية، لبيان موقف واضح وداعم للشعب العراقي، للخروج من ألأزمة..! فالمقاطعة لا تؤدي ألآ الى حالة ألأنعزال وألتقوقع، أما ألأستنكار وألأدانة فهناك ما يكفي من الطرق والوسائل الديبلوماسية، مما يغني عن ذلك..!

فأن كانـت ألأساءة قد وجهت الى طائفة معينة من مكونات الشعب العراقي، ففي تقديري أن التعامل معها كان ينبغي أن يكون، وضمن ألأطر الديمقراطية، تحت أسم الشعب العراقي بمجموعه، وحيث أن ألأمر يتعلق بالحكومة العراقية، فأن أي رد فعل تتبناه تلك الحكومة، ينبغي أن يأخذ مصلحة الشعب العراقي بنظر ألأعتبار..! فالتعامل مع الحدث من زاوية ألأنتصار للطائفة بشكل يعزلها عن باقي مكونات الشعب ألأخرى، أثنية كانت أم دينية أو مذهبية، انما فيه أضعاف لموقع تلك الطائفة نفسها، و بالتالي يمكن أن يكون مدعاة للتخندق الطائفي، حيث يولد شعورا من الغبن ممزوجا بشعور من ألأستهداف لدى الطائفة المعنية، مما يدفع الى الكراهية والبغض، ويعمق حالة ألأحتقان التي تهيمن على الشارع العراقي..! ومن هنا يأتي دور الحكومة كعامل موحد لكافة فئات الشعب وطوائفه المختلفة..! وهذا ما كان ينبغي فعله..!

فأن كان بعض قادة العرب لا يدركون حقيقة واقع الشعب العراقي بمكوناته المختلفة، وطبيعة العلاقات الي تربط هذه المكونات بعضها ببعض، جغرافيا و تأريخيا لدرجة التلاحم، فهم يرتكبون خطاّ فادحا أذا ما تعاملوا مع هذه المكونات على أساس من الطائفية- المذهبية أو العرقية بل وحتى الحزبية..! وأذا ما أرادوا التعامل مع العراق فليس هناك من طريق، غير طريق العراق الموحد بشعبه ذي المكونات المتعددة المتساوية في حق المواطنة دون تفريق..! أما من يبني حساباته على أساس اللعب على وتر الطائفية، فهو أنما يلعب بالنار..!؟

ومن هذا المنطلق فأن على الحكومة العراقية، أن تكون أكثر وضوحا في تعاطيها مع المسائل الدولية عموما، ومع المسائل العربية وألأقليمية على وجه الخصوص، فهي أذ تمثل كل مكونات الشعب العراقي، وليس مكونا بحد ذاته، لذا كان بأمكانها التعامل مع ألأساءة التي وجهت للطائفة الشيعية على أساس هذا المبدأ، لا أختزالها الى مجرد ردة فعل عكست في أطارها العام ما يفهم منه وكأنه موقف ذو طابع طائفي خاص..!
أن للجمهور حقه في التعبير عن ردة فعله بالشكل والطريقة التي تعبر عن مشاعره في اللحظة المنفعلة المعينة، محكومة بمراعاة ألأنظمة المرعية في أحترام النظام العام للدولة..! أما الدولة نفسها، فهي ألأخرى يمكنها التعبير عن ردة فعلها كممثلة لكل المكونات الشعبية ولكن ضمن ألأطر المتعارف عليها في العلاقات بين الدول، بعيدا عن تبني الموقف ألأنفعالي- العاطفي للطائفة المساء اليها، مأخوذا فقط، بحسابات أحتواء ألأزمة..!
فالحكومة هي رمز جميع العراقيين..! وفي تقديري أنه كان من الحصافة السياسية عدم ربط تلك التصريحات بأمر أجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب، وألأتخاذ منها مبررا للمقاطعة، مما شجع على تصاعد الدعوات الواردة من العديد من مؤسسات المجتمع المدني في المناطق الوسطى والجنوبية و بعض قيادات المحافظات، الى المطالبة بقطع العلاقات الديبلوماسية مع جمهورية مصر العربية ومقاطعة بضائعها..!؟

لقد كان حريا بالحكومة العراقية أن لا تنجر وراء ألخطط التي تعتقدها مرسومة للنيل من وحدة الشعب العراقي ودفعه بأتجاه الأحتراب الطائفي، بقدر ما يفترض فيها، أن تعكس ممارساتها وردود افعالها وحدة هذا الشعب لا طائفة معينة بعينها..! أم أن الحكومة العراقية والسيد رئيس الوزراء كانوا ضحايا فخ هذه الخطط وتداعياتها..؟؟

باقر الفضلي

[email protected]