بوجه أغبر كالح، وصوت يشبه فحيح الأفاعي، أطل علينا أسامة بن لادن، عبر القناة الفضائية إياها، مستلا سيفه الخشبي وهو يزبد ويرعد ويهدد ويحذر بلغة ابتذلت لكثرة تكرارها من quot;حرب صليبية صهيونية ضد الأمة الإسلاميةquot;.
وكعادتها في التهويش وخلط الأوراق وقلب الجيوب على بطانتها، خصصت القناة الممولة من جيوب القطريين بالرغم من أنوفهم، جزء من مساحتها الإخبارية لتحليل الشريط الصوتي الجديد للإرهابي المطلوب للعدالة الدولية، مستعينة هذه المرة بشخص لبناني قدمته على أنه مختص بالحركات الإسلامية، لكنها سرعان ما قطعت الاتصال به حين راح يتحدث عن جرائم البنلاديين بحق الإسلام واستهدافهم المدنين في العراق وأفغانستان إلى الحد الذي يصل أحيانا إلى قتل عائلات بكامل أفرادها دون أي اعتذار أو وخز من ضمير.
ولم تكتف القناة بذلك، بل صدرت موقعها على الانترنيت بما جاء على لسان طريد العدالة من quot;تأكيداتquot; حول ما يحدث في العراق وباكستان والسودان والشيشان وغيرها من بلاد المسلمين، كما لو كان المتحدث قائدا يقف على رأس دولة أو كيان سياسي معترف به وليس زعيم عصابة لا تختلف في تشكيلاتها والمهمات القذرة التي تقوم بتنفيذها عن عصابات المافيا والجريمة المنظمة، بل أن هذا الطريد اليوم ليس سوى جرذ يلوذ بكهف مظلم من كهوف تورا بورا مجللا بالعار والهزيمة والإفلاس المادي والعقائدي.
وقد ظلت القناة حريصة على بث كل ما يصلها منه، على سخفه وغثاثته، فيما كفت أبواق أخرى عن ذلك حين أثبتت الأحداث، لا سيما أحداث 11 سبتمبر 2001 حجم الآثار المدمرة التي نجمت عن جرائمه البشعة، حيث صورت الإسلام كوحش أعور، والمسلمين كذئاب كاسرة لا ترتوي من سيول الدماء.
ولسنا هنا بصدد القناة التي باتت أجندتها المشبوهة واضحة للعيان، ولكن بصدد الأسطورة التي ساهمت في صنعها والتي ينبغي أن تهشم كما هشمت أسطورة أخرى أسمها صدام حسين بعدما بلغت كلفتها دمار بلد وإفقار شعب، لأن الاستمرار بتصديقها يعني مضاعفة الكلفة الباهظة التي تكبدها الإسلام، والمزيد من التوجس والشكوك والاتهامات التي تحيط بالمسلمين، خصوصا من يقيم منهم خارج أوطانهم، أو في quot;الغرب الكافرquot;.
إن أول معول لتهشيم أسطورة بن لادن هو تسفيهه. تسفيه أفكاره البائسة المشوهة عن الآخر، وفضح مشروعه الظلامي الذي يريد لمجتمعاتنا أن تتقهقر وترتد إلى مستوى quot;طالبانquot; وأن تغرق من جديد في الجهل والذل والعبودية، والأهم، تسفيه المحاولات التي تتوخى تنصيبه ناطقا باسم ملايين المسلمين في مواجهة quot;الحرب الصليبيةquot;، لأنه ببساطة لا يمثل إلا نفسه، وفي أحسن الأحوال، حفنة من المتطرفين الذين يوجدون على الهامش، ولأن quot;الحرب الصليبيةquot; مجرد أكذوبة من أكاذيبهم صدقوها لفرط تردادها، فلا quot;شرقquot; مقابل quot;غربquot;، ولا quot;صليبيينquot; ضد quot;مسلمينquot;، وإنما عالم واحد يتعايش فيه الجميع على اختلاف لونهم أو دينهم أو لغتهم.
تهشيم أسطورة بن لادن، تهشيم صنم بشع دميم منفر كريه.

د. زكي العلي

[email protected]