من اهم السمات التي تميز بها جلال الطالباني على مسار طريق النضال المضني والطويل من اجل تحقيق الحرية والديمقراطية لکوردستان والعراق هو التفاؤل دائما بالنجاح وتحقيق النصر، وقد لازمته هذه السمة حتى في اکثر المراحل مشقة والاوقات حلکة والايام صعابا. وربما کانت هذه السمة هي السرالکامن وراء کارزمية مام جلال المعهودة التي امنت له نجاحاته وتحوله من قيادة حرب الانصار في ذرى و وديان و سهول کردستان الى رئاسة اقليم کردستان ومن ثم رئاسة الدولة العراقية رئيسا انتقاليا لها في المرحلة الانتقالية ومن ثم رئيسا حاليا لاربع سنوات قادمة،وذلك بعد ان اجمعت على اختياره کل القوى السياسية العراقية في البرلمان العراقي المنتخب مباشرة من الشعب.

ومن الغريب ان يلاحظ بأن ادمان جلال الطالباني(ان صح التعبير) على التفاؤل واحيانا ظهوره بمظهر المفرط في ذلك ان يولد اليأس او حتى الاحباط ليس فقط عند خصومه بل حتى عند البعض من مريديه وخلانه. وسأسيق هنا مثالا من امثلة لا تحصى في هذا المجال. ففي نهاية الثمانينيات من القرن المنصرم کانت المقاومة الکردية وبالذات قوات الاتحاد الوطني الکردستاني بقيادة مام جلال قد تلقت ضربات موجعة جدا من قبل جيش صدام حسين بعد استخدم السلاح الکينياوي ضدها وافراغ ريف کردستان من سکانها بالکامل. فکان امام تلك القوات اما خيارالاستسلام او الابادة الکاملة او الانسحاب الى الحدود الايرانية او ماورائها.وقد اختارت بالفعل معظم تلك القوات الانسحاب الى مناطق الحدود. وکانت الحالة من المأساة بمکان حيث کانت حالة الوجوم والياس والضياع هي الطاغية على تشکيلات المقاتلين وهم في انتظار مام جلال الذي کان في طريقه اليهم من الخارج عبر ايران. يومها کنت قد التقيت في دمشق باحد قادة الاتحاد الوطني الکردستاني والذي کان من مساعدي مام جلال القريبين جدا. کان شبه منهارا يتحدث عن الفشل والهزيمة وعن اخطاء ارتکبت بل وحتى عن صواب خيار اللجوء الى المقاومة اصلا. کان وقع تلك الکلمات مرعبا وثقيلا علي حيث اعادتني الى اجواء الانهيار الذي اصاب الثورة الکوردية بزعامة مصطفى البارزاني بسبب اتفاقية 6 اذار 1975. کنت اخشى من ان التأريخ يعيد نفسه، وان المصير ذاته ينتظر قوات البيشمرکة والتي کانت الامل الوحيد لشعبنا الذي کان يواجه اسوء لحظات استشراش وبطش نظام صدام ضده. کنت افکر بما کان سيحصل لمعنويات المقاتلين البسطاء من البيشمرکة وابناء شعبنا لو سمعوا کلام کهذا من قائد ميداني بهذا المستوى. اتصلت في اليوم التالي باحد الاصدقاء الذي کان من بيشمرکة الاتحاد وواحد من الاف المنسحبين الى الحدود الايرانية واستفسرت منه عن الحالة المعنوية وعما اذا کان مام جلال قد وصل. تفاجئت، بل اقشعر بدني للمعنويات العالية جدا التي ابداها بأسماعي حديث عن اتباع تکتيکات جديدة في حرب الانصار،والعودة من جديد الى استئناف المقاومة، لابل وان نظام صدام ليس بالقوة التي يتصورها الکثيرون وما لجوئه الى استخدام السلاح الکيميائي الا اشارة الى ضعفه وان ذلك سيساهم في اسقاطه قريبا..!!!!

لم اکن لافهم سر تلك الروح المعنوية العالية جدا والتي لم تکن منطقية بالمطلق في ضوء المعطيات الميدانية والاقليمية والدولية آنئذ..! لکن الصورة اتضحت لي بعد ان سألته عما اذا کان مام جلال قد وصل، فقال لي نعم لقد وصل مساء امس واجتمع بنا وقد تحدث لنا عن کل ذلك. وعندما توجهت بالسؤال الى القيادي في الاتحاد عن رأيه فيما يقوله مام جلال اجاب متهکما: يبدو انه حصل على وعودا واسلحة نووية رادعة لترسانة صدام من القذافي و حافظ الاسد..!

التصريحات والمبادرات التي يطلقها الرئيس جلال الطالباني بين الفينة والاخرى حول امور شتى مثل امتناعه عن توقيع مراسيم الاعدام او اتصاله بالجماعات المسلحة او عن صداقته لسوريا واظهار مشاعر الامتنان لقوات التحالف لدعمها العراق والعراقيين کلها امور تنبع من طبع مام جلال الذي هو مشروع عمل دائم وامل دائم ودائما ضمن االاليات التي يتيحها فن الممکنات، وهذا ما يجعل الامور برمتها تختلط على البعض ويساء فهمها من البعض الاخر ويستخدمها آخرون للتصيد في الماء العکر، وذلك من بعض الکورد والعرب على حد سواء.
صديقة دنمارکية لا تعلم الكثير عن شخصية الطالباني علقت اثناء مشاهدة الاخبار حيث ظهر الرئيس قائلة شتان بين رئيسکم الحالي والسابق، فهذا الرئيس هو حاضر الابتسامة دائما حيث يضحك ويضحك الاخرين.
سمات الطالباني اليوم وهو رئيس للعراق هي هي، فهو لايزال مفعم بتفاؤله المعهود رغم ما واجهه و يواجهه الوطن من الاعداء الداخليين والخارجيين من محاولات
لتحويل الحلم العراقي الى کابوس. فهو يعدهم على الدوام أن يبقى حارسا امينا على التآخي بين العراقيين، وفي مقدمة ذلك التآخي العربي الکوردي، وعلى بقاء العراق علمانيا ديمقراطيا برلمانيا تعدديا فيدراليا طوال سنين رئاسته الاربع القادمة،وکما يقول مام جلال نفسه دائما : تفائلوا بالخير تجدوه.

آسوس جمال قادر

[email protected]