العراق مهد الحضارات والشعب العراقي العريق، الموغل في التاريخ لنحو سبعة آلاف سنة، وهو من علّم البشرية الكتابة، تشهد عليها الألواح المسمارية، وعلّم البشرية تذوق الموسيقى بصنع أول قيثارة في التاريخ، وغيرها من البصمات لهذا الشعب العريق على الإنسانية جمعاء.
بمرور الايام ومضي الزمن يشعر المرء بعمق الكارثة الذي يمر بها العراق والعراقين الكارثة التي دخل جذورها في كل نواحي الوجود العراقي أرضاً وشعباً واقتصاداً وعقيدتاً ومذهباً وديناً حاول الامريكان أن يضربوا وحدة العراق، ويعزفوا على أوتار العرقية والطائفية والعشائرية وغيرها، هذه الكارثة جاء بجراثيمها الاحتلال وشجع على نشرها وانتشارها بعض من خونة الضمير حتى أصبح العراق ساحة يلتهم النار جزءاً ويغطي دماء الشهداء الجزء الاخر والخؤنون الملتفون بنفوذ الاحتلال اجتزوا قطعة من بغداد اطلقوا عليها المنطقة الخضراء وهي منطقة مسورة يحرس كل منها عشرة جنود امريكان بدباباتهم واسلحتهم الثقيلة والخفيفة، هذا المنظر الافقي ببلد حضارته الاف السنين.
لماذا وصلنا الى هذه الحالة؟
ومن اشترك في الوصول اليها؟
وما الكسب الذي جناه هذا القسم؟ ومن يدعم ويمول هذا؟ والى أين نسير؟
بدأ العراقيون يتطلعون الى حالة أفضل يتخلص بها من نظام صدام حسين الكرية الغارق في دماء الضحايا الى أذنيه هذا النفر مشى وراء سراب الحرية والديمقراطية وكلمات الرنانة الاخرى رفعها المحتلون وروج لها العملاء، ولعلنا نكون منصفين اذا قلنا ان العراقيون بعد ان اصابهم الياس والقنوط أخذ يتشبثون بقشة تبن تطفو على السطح ليجعلوها قارب الخلاص وطريق الامان قد يغفر لهم ذلك ولكن من يستطيع ان يغفر لكل الفئات التي استغلت هذا الشعور الوطني واستغلت الرغبة في التغير واستغلت الحق في طلب هواء في ريحه الحرية والديمقراطية والعدالة هؤلاء وبكل صراحة ثلاثة نأخذهم بالترتيب، وجد جائعوا السياسة محرومي الجاه طالبي السلطة وحاملي روح الانتقام مستشعرين بلذة اذلال من اذلهم كما يتصورون والانتقام ممن اضطهدهم كما يعتقدون وتأديب من منع عنهم اسباب الحكم الذاتي والفيدرالية المطلوبة، نجح هؤلاء جميعاً ودخلوا في جو له رائحة كريه كراهية الموت والجثث المعفنة الا وهي طلب تقسيم العراق طائفياً ووضعوا قاعة المحاصصة في اذهانهم وفي تطبيقهم العملي وبدأت مسيرة الكارثة مؤتمر لندن، اذ تحتفظ قاعات فنادقه الكبيرة باسرار دفينة وما جرى في هذا الاجتماع وهي تصب في ثلاثة محاور :
حصول الاكراد على الفيدرالية.
رغبة الاخوان الشيعة في مسك الحكم واصدار القرار.
فئة السنة الذين سكروا بدون خمر أوجعتهم ضربة الاحتلال وأوجعتهم أكثر التآمر عليهم وتقسيمهم الى سني كردي وسني شيعي والمحاصصة على اساس ذلك.
وكل هذه الفئات سارت في درب خاطئ وفي طريق يحجب عنها الامن والامان والاستقرار وتنفيذ مبدأ تداول السلطة واحترام الراي والحوار البناء وهكذا سارت قافلة السياسة بعجلات مكسرة وفي طريق غير معبد تلهب ظهور جياده سياط الاحتلال ومؤمرات البنتاكون واوامر بول بريمر الحاكم الامريكي الذي بقى يتخبط في قرارات متناقضة مشرعناً قوانين بعيدة عن روح العدالة والانصاف لتكون أبعد عن مصلحة العراق وشعب العراق ووحدته وتماسك نسيجه الاجتماعي سارت هذه القافلة لأكثر من سنتين وهي على وشك التحطم الكامل لتبدأ الحرب الاصلية لولا وعياً متميزاً تملكه ضمائر الاحرار وحكمة عالية تدور في اذهان الغيارى سواء من السنة او الشيعة او الاكراد وهكذا الضغط الجماهيري يتصاعد من الشعب على قوى الاحتلال وتجسمت المقاومة الوطنية باروع اشكالها ولاحت في الافق ان هناك تخلخل في قواعد هذه الفئات الضالة تريد تقويمها وتقويم شعاراتها الطائفية وابعادها عن المحاصصة وتطفئ نار الحرب الاهلية التي بدأت تشتعل، ولكن سيحقق العراقيون الوحدة الوطنية على اختلاف مشاربهم السياسية والعرقية والمذهبية، ويبنوا العراق الحر الديموقراطي. وكما تُشرق الشمس من الشرق، ستشرق شمس الحرية على الشعوب العربية من العراق بوابة العرب الشرقية.
وجد الامريكان انهم يقفون على مستنقع أرضيته رخوة بحيث يغوصون فيها تدريجياً كلما زادت حركتهم وكثرة اخطائهم وتخبطهم وبدأت تصريحات المسؤولين بالتلميح ان هناك مجالاً لقبول مبدأ الانسحاب بشكل صريح او غامض ومنهم من ينكر ذلك ومنهم من يؤيد.
حالة فوضى من كل الاطراف.
فوضى في شعارات الطالباني والبرزاني.
فوضى في مطاليب قائمة الائتلاف الوطني.
فوضى في مواقف السنة.
مرة يقاطعون ومرة اخرى بعضهم في الحزب الاسلامي يشاركون في مجلس الحكم الانتقالي، مجموع هذه الاشكاليات جعلت العراق يقف محاصراً من كل الجهات محاصراً من الاتراك طمعاً في كركوك، محاصراً من الايرانين طمعاً في البصرة ومراقد الائمة، محاصراً من سوريا طمعاً في بقاء حزب البعث سياسياً، محاصراً من الاردن طمعاً في تثبيت انتعاش اقتصاد المستند على ثروة العراق، ومن الداخل ان الحس الوطني والاتجاه السليم مهدد بمليشيات بدر وتصرفاتها باتجاه الخصوم وخاصة الذي يعتقدون انهم كانوا محوراً مهماً في الحرب الايرانية ومن ضمنهم الاساتذة والعلماء من ذوي الكفاءات العالية فجرى فيهم القتل والاغتيال محاصرون من الداخل بزمرة طائفية متعصبة من الطرفين يبغون الوصول الى السلطة على جسر عريض ومريح أرضيته الدين وعبائته الطائفية ورمزه المرجعية، حتى كان الشعب العراقي ان يختنق لبعد أوكسجين الحرية عنه، عندها أحس الامريكان بنوع الكارثة التي تصيبهم اذا استمروا في انكار الواقع فالتفتوا الى أنظمة الدول العربية وهي الحليف الطبيعي لسياستهم والتفت الانظمة السياسية الى الجامعة العربية بشخص أمينها العام الاستاذ عمرو موسى فحصلت لخطوته التوفيقية التصالحية مباركة كاملة، ودخل النفوذ العربي في مشكلة عراقية مرة اخرى كما دخل في الماضي في الحرب الاهلية اللبنانية في مؤتمر الطائف وبرأينا انه سينجح في ذلك ولكن النجاح يترك عبرة وعظة لنعيد تقيم مواقفنا ونقد الذات وجلد النفس، ولكن لا نعول على الأنظمة العربية، فهذه الأنظمة كالدمى مغلوبة على أمرها، ولا تملك من زمام نفسها شيئا حتى نطالبها بالمصالحة مع شعوبها لصد العدوان، وما الشلال الدم العراقي والفلسطيني يروي يوميا أرضا حبلى بأحداث لاشك ستفاجئ فطاحلة التحليل السياسي عربا كانوا أو أجانب، وما مأساة التي تحدث على مدار الساعة، ولا تهتز شعرة في جفن النظام الرسمي العربي، سوى تصريحات التنديد ولا تساوي قيمة الحبر المكتوبة به. الأمل الوحيد أمام العرب بعد كارثة العراق أن يتحدوا ويتضامنوا وينبذوا الخلافات فيما بينهم.. ويبدأوا بالفعل مرحلة جديدة من إعادة البناء بما يمكنهم من مواجهة التحديات.. والوقوف في صلابة.. أمام كل من يفكر في العدوان علي حضارتهم. وتراثهم. واستقلالهم.
وان العراق والعراقين هم الأقدر على صياغة الديموقراطية التي يريدنها بعد طرد المحتل الامريكي، وكأني أرى المستقبل المشرق يطلع من أرض السواد ndash; العراق، حيث تشع أنوار الحرية والديمقراطية.

المستشار القانوني
خالد عيسى طه
رئيس منظمة محامين بلا حدود