أشرت فى مقالى السابق quot;الطريقة الوحيدة لمحاصرة الخطر الإيرانىquot; إلى أن إيران تتغلغل فكريا وثقافيا وشعبويا فى العالم العربى. ولم أكن أقدر مدى التغلغل حتى قرأت التعليقات على ذلك المقال والتى لم يوافق أغلبها على مجرد محاولة التحليل. يتبين من قراءة التعليقات أن الإختراق الإيرانى للعقلية العربية هو أعمق كثيرا مما ظننت، وقد أعفتنى تلك التعليقات من حيث لم تقصد من محاولة رصد مظاهر الإختراق الإيرانى للعقلية العربية. ولقد قرأت اليوم 20/8 مقال منشور فى الشرق الأوسط ومشار إليه فى إيلاف يتساءل عنوانه عما إذا كانت إيران تحاول تصدير ثورتها الخمينية إلى العالم العربى ثانية! وهو ما أراه على وجه ما يشير إلى ما أحاول التنبيه إليه فى هذه المقالات، بما يعنى أن القضية بدأت تأخذ الإهتمام الواجب من جانب الكتاب والمفكرين العرب.

التغلغل الإيرانى بثقافته وأدبياته ودعايته بين العرب هو العامل الأخطر على الإطلاق من بين عوامل القوة الإيرانية الحالية. ويقوم على رفد هذا التغلغل كم من الفقهاء يتوزعون بين قم والعراق ولبنان وغيرها، يمارسون الفتيا والتوجيه ولا ينكرون مرجيعتهم الإيرانية. أيضا يقوم على إنتشار هذا التغلغل إنسحاب الفقه السنى أمام الفقه الشيعى، بل وإعترافه أحيانا كثيرة بحجيته وصلاحيته. ايضا ساهم التحالف بين القاعدة وحماس (الخارج بالأخص) وأيضا الإخوان المسلمين عموما مع إيران، فى سحب البساط من تحت أقدام الفكر السنى حتى فى صورته الراديكالية، خاصة وقد قرن الفكر الإيرانى القول بالفعل وقام فعلا بمحاربة إسرائيل عن طريق أحد وكلائه فى لبنان مما أعطاه مصداقية يفتقدها أغلب المتصدين للفكر السنى!
ولعلنا نتذكر ما حاول الحجاج الإيرانيون القيام به فى إحدى السنوات التى تلت الثورة الحمينية من رفع لراياتهم ومحاولة توجيه شعائر الحج على حسب هواهم. ونتسائل فى هذا الخصوص عما إن كان القائمون على تنظيم الحجيج يستطيعون اليوم أن يسيطروا على أفعال مشابهة، ولتكن رفع أعلام حزب الله مثلا، بذات السهولة التى سيطروا بها على تلك الأعمال فى ذلك الزمان!

بالإضافة لما سبق لا يمكن أيضا إغفال القوة العسكرية الإيرانية والتى ترنو إلى إضافة السلاح النووى إليها. والعماد الأساسى لتلك القوة هى القوة الصاروخية، وقد ثبت فى حرب حزبولا الأخيرة أن وسائل الدفاع ضد تلك القوة لازالت غير فعالة. أهم من القوة المادية تلك هى قوة العقيدة العسكرية التى لا تكترث بالخسائر سواء فى البشر أم فى البنية الأساسية طالما أن العدو يعانى أيضا من خسائر ولو بمقدار أضعف كثيرا، وهذه العقيدة المخيفة وجدت تطبيقات لها فى الحرب العراقية الإيرانية أو ما يطلق عليه حرب الخليج الأولى، عندما دفعت إيران بموجات بشرية متلاحقة من الشباب بل والأطفال لإكتساح الخطوط العراقية ولم تثنها الخسائر البشرية المهولة التى عانتها عن الإستمرار فى ذلك التكتيك حتى بلوغ هدفها. وعلى ضوء هذه العقيدة يمكن تفهم إعلان حزبولا إنتصاره فى حربه الأخيرة.
أيضا لا نغفل القوة الإقتصادية الإيرانية. ويكفى للتدليل على القوة الإقتصادية الإيرانية أن نذكرأن حرب إيران مع العراق كانت تكلفتها السنوية عشرة فى المائة فقط من الدخل القومى الأيرانى، ولم يكن سعر البترول يتجاوز نصف السعر الحالى.

أول مصادر القوة العربية هى إدراكها للخطر الإيرانى. لقد أعلن الملك عبد الله أن إيران تسعى لتكوين هلال شيعى يتضمن العراق وسوريا ولبنان. أيضا أعلن الرئيس مبارك أن ولاء الشيعة العراقيين هو لإيران. وحتى إن كانت هذه الأقوال قد إفتقدت للحصافة السياسية فإنها لم تعدو توضيح الحقائق. بل هى أقل من الحقيقة، فإيران لا يكفيها وجود هلال شيعى فقط وليس ولاء الشيعة العراقيين فقط هو الذى لإيران! بل إن لإيران حلفاء وأتباع يمتدون على الجانب الآخر من الخليج quot;الفارسىquot; إلى البحرين والكويت وجميع دول الخليج وشرق السعودية وحتى اليمن.

ثانى مصادر القوة العربية او بالأولى الضعف الإيرانى هو إفتقاد إيران للعمق الإستراتيجى. إذ تحيط بإيران دولة باكستان السنية فى مجموعها والتى يمكن لو توفر جهد عربى واع أن تتصالح مع جارتها الشرقية اللدود وأن تشكل إضافة إستراتيجية للقوة العربية. أيضا وجود قوات التحالف على الجانب الشرقى الشمالى منها فى أفغانستان والجانب الغربى فى العراق يحد كثيرا من قدرة إيران، فى الوقت الحالى، على توجيه جهدها ناحية العرب. ولا نحسب تركيا التى تنازلت عن إحلامها الإمبراطورية وبدأت السعى الحثيث للرجوع لأصلها الأوروبى...

وإلى تتمة....

عادل حزين
نيويورك
[email protected]