أشرنا فى مقال سابق عن quot;مصادر القوة الإيرانية ومصادرها العربيةquot;، كما قدمنا فى مقال أسبق عن quot;الطريقة المثلى لتحجيم القوة الإيرانيةquot; وذكرنا باختصار شديد أن السعودية هى الدولة الوحيدة المؤهلة لقيادة نشاط عربى إستراتيجى لتحجيم الخطر الإيرانى. ومن بعد أن إستعرضنا فى عجالة شديدة مصادر القوة الإيرانية والتى رأينا أخطرها هو الإختراق الإيرانى للعقلية المفكرة وللمزاج الشعبى العربى، وأشرنا إلى القوة العسكرية الإيرانية والتى يميزها بشكل خاص العقيدة القتالية التى لا تأبه بالخسائر وإن كانت فادحة، طالما أن العدو يعانى بالمثل ولو بدرجة أقل كثيرا. كما لمسنا لمسا خفيفا القدرة الإقتصادية الإيرانية المتفوقة وهى تمثل العنصر الأساسى والروح المحركة لباقى مصادر القوة الإيرانية، و سنعود إلى تحليل العنصر الإقتصادى لاحقا بتفصيل أكثر.

أيضا أشرنا إلى إثنين من ملامح القوة العربية وهما إدراك الخطر الإيرانى، وغياب العمق الإستراتيجى لإيران حسب حدودها الحالية. ونضيف اليوم إلى عداد عناصر القوة العربية فى مواجهة الخطر الإيرانى عنصر القيادة الروحية والتأثير الأيدولوجى للدولة السعودية بصفتها حاضنة أهم موقعين تأثيرا وجذبا لجموع المسلمين. ومن السهل على المراقب أن يرصد المحاولات الإيرانية للتأثير على جاذبية هذين الموقعين عن طريق إطلاق الأساطير وإسباغ القداسة على مراقد آل البيت فى إيران وفى العراق بل وفى مصر وغيرها.

أيضا غنى عن البيان وجود عمق إستراتيجى ومدد بشرى للدول العربية يتفوق بمراحل على العمق الإستراتيجى الإيرانى. وهذا العمق هو رصد حالى قابل للتبدل والتغيير لو أغمضت الدول العربية أعينها عن محاولات التمدد الإيرانى. ولأن المنطق الإستراتيجى يقول أن السعودية هى دولة المواجهة، فالمنطق أيضا يفترض أنها ستكون أول دولة عربية معنية بمحاولة السيطرة عليها من جانب الإمبراطورية الإيرانية الوليدة. ويمكن أن تتحصل إيران على تنازلات سعودية تظل تتزايد حتى يصبح بقاء الدولة السعودية على وضعها القوى الحالى محل شك. يمكن لإيران فضلا عن ذلك الطريق أن تتوصل لذات الهدف عن طريق محاصرة العمق السعودى بإجتذاب الإخوان المسلمين الذين يسيطرون حاليا على فلسطين وبالذات حماس الخارج، وهم يسيطرون أيضا على قطاع كبير من الأردن ومصر. يحتمل أن تمارس إيران أيضا دورامباشرا فى تهييج شيعة اليمن كما هو حاصل لدى quot;الحوثيينquot; بل وشيعة شرق السعودية والبحرين. ومع دعم الجماعات الضالة داخل المجتمع السعودى يمكن لإيران أن تخلخل البيت السعودى من الداخل وأن تحاصره من الخارج.

لا نغفل القوة الإقتصادية العربية ولو حتى نزعت عنها القوة الإقتصادية العراقية. واضح أن الدول العربية تتمتع بتفوق واضح على مستوى القوة الإقتصادية تجاه إيران. ولكن القوة الإقتصادية لا تكفى وحدها فى درء خطر الإكتساح الإيدولوجى والثقافى وأيضا العسكرى، إلا لو إستعملت بذكاء وبطريقة غير تقليدية. واضح أننا لم نذكر تفوقا عسكريا إذ نرى أن إيران أقوى أو فى طريقها لأن تكون أقوى عسكريا من جميع الدول العربية المحيطة بها. ليس فقط لإحتمال تحصلها على السلاح النووى، إذ من السهل فيما نرى أن تتحصل عليه دولا عربية ومن ضمنها السعودية ولربما بطريقة أسرع، ولكن إيران أقوى بعقيدتها القتالية التى شرحناها آنفا وذكرنا أنها لا تعنى بالخسائر البشرية، وهى ذات العقيدة التى إنتصرت بها فيتنام على الرغم من خسائرها المهولة وعلى الرغم من أن الأمريكان لم يخسروا ولا معركة واحدة بينهم وبين الفيتناميين ورغم ذلك خسرت أمريكا الحرب! العقيدة العسكرية الفيتنامية فقط كانت هى مفتاح النصر.

بناء على التحليل السالف البيان فإن سباق التسلح بين السعودية او أى دولة عربية وبين إيران هو سباق فى غير محل، ومحكوم عليه بالفشل فى إدراك هدف تحجيم القوة الإيرانية. توجد طرق متاحة للدول العربية وعلى رأسها السعودية لتحجيم القوة الإيرانية الوليدة، ولحصار الإختراق الإيرانى الطموح للقطاعات الشعبية والنخبوية فى الوطن العربى، بل ولرده إلى نحره أيضا!
وإلى تتمة...

عادل حزين
نيويورك
[email protected]