بعد ما يفوق الشهرين من الغيبة الصغرى لنصر الله، خرج الفتى من جحره داعيا ومبشرا ومحرضا على ذبح حكومة بلده الوطنية الشريفة برئاسة اللبناني الأصيل فؤاد السنيورة، خليفة الحريري الجميل ووريثة وتلميذه... !
بعد ما يفوق الشهرين من أبشع هزيمة يتلقاها حزب أو عصبة طائفية عنصرية موالية لإيران، وهي الهزيمة الثانية للتوسع السياسي العنصري الطائفي الفارسي في الشرق.

نقول بعد تلك الهزيمة، وتماما كما فعلها الإيرانيون الفرس عقب إنتهاء الحرب العراقية الإبرانية إذ أحتفلوا بنصر مزعوم موهوم، فعلها اليوم ولي العجم الصغير نصر الله، إذ خرج من قبوه معلنا الإنتصار المزعوم، الذي كان يمكن أن يكون كاملا وناجزا لو أنه أدى إلى سقوط حكومة السنيورة وعودة الشقيق السوري الذي نهب لبنان قرابة الثلاثين عاما، عودته إلى السيطرة على التراب والأرض والثروات والسياسة والإدارة في لبنان الذي طردهم منه، دم الشهيد الحريري رحمه الله.
لقد سبقه إلى ذلك اسياده الإيرانيون الذين أرادوا التدخل فطردهم السنيورة، وتلاه الأسد وعميله اللبناني المقيم في بعبدا، وكرر الأمر ذاته وزراء حزب الله الإيراني.
وكأن تلك المعمعة التي أفتعلها حزب الله في الأساس كان القصد منها ليس تحرير اسرى ( رغم سخف هذا الإدعاء )، بل هو إسقاط الشرعية اللبنانية القائمة وإغلاق الأبواب بوجه حلفاء لبنان في الشرق والغرب وفي العالم العربي وإبقاء البابين العدوانيين العنصريين ( النظام الإيراني والسوري ) وحدهما هما الفاعلين في لبنان ومقدرات لبنان وسياسة لبنان.
حكومة قوية وعادلة... ذلك كان مطلب السيد المنتصر بالله نصر الله..!
حكومة قوية وعادلة...!
شيء ما شبيه بالعدل الإيراني الجميل الذي يقمع الكرد والعرب والبلوش من السنة والشيعة، والذي ورط الشعب الإيراني في حرب ظالمة لما يفوق الثمانية اعوام وهدر من ثروات وخيرات البلد مئات المليارات، ولا زال اليوم يهدر الثروات الإيرانية في التسليح ودعم عصابات نصر الله وأحزاب الله الأخرى في الخليج وفلسطين ودول عربية وعالمية عديدة، بينما الشعب الإيراني يأن من الظلم والجوع والبطالة وإنتشار الدعارة والمخدرات.
أو ربما هو ما يشبه عدل صدام حسين المخلوع نزيل الحفرة مثل نصر الله والذي قتل من الشيعة ( رغم انهم حاربوا إيران معه لأكثر من ثمانية اعوام ) قتل منهم ما يفوق الربع مليون حين أنتفضوا عليه، أو ما فعله بالكرد حين اسقطت طائراته سموم السيانيد والخردل الذي أحرق مئات القرى وقتل من الأبرياء ما يفوق الثلاثمائة الف إنسان.
او... هو العدل السوري الأسدي الذي قمع ولا زال يقمع الشعب السوري كله عبر سياسة فرض الخيار البعثي القومي العلوي عنوة وقسرا وعبر أجهزة المخابرات التي لا ترحم.
لقد إنتصرنا في الحرب، وكان يمكن أن يكون النصر ناجزا فيما لو أمكن لهذا النصر أن يتعزز بنصر سياسي من خلال تشكيل حكومة قوية وعادلة.
كان هذا هو لب خطاب المنتصر الذي خرج من جحره متأخرا بعض الشيء ( ربما بعد أن أخذ الضمانات من إسرائيل في إنها لن تتعرض له وأن إختفائه كان للتمويه على الهدف الأساس من كل ما جرى وهو تدمير لبنان عبر حرب أهلية تمزق البلد إلى دويلات طائفية صغيرة يتلاعب بها الإيرانيون والسوريون والإسرائيليون، وقد تكون تلك الأطراف في الأساس متوافقة على هذا المسعى البشع الذي كانت اولى خطواته قتل الحريري بأياد سورية إيرانية، والثانية إسقاط حكومة السنيورة ).
من اكثر الردود قوة وحكمة على خطاب السيد ( المنتصر بالله ) نصر الله، قول الوزير مروان حمادة متسائلا :
ما هي معايير الدولة القوية العادلة التي يدعو لها السيد نصر الله؟
أهي النظرة الإلهية أم إن لها منطوق وأيديولوجيا معينة..!
وأضاف في تلخيص له للب القول في خطاب نصر الله، كأني بالسيد يعني : إعطوني الدولة اللبنانية لأسلمكم السلاح.
نعم... هذا هو القصد والمبتغى... الدولة اللبنانية بالكامل مقابل السلاح الإيراني، بمعنى أن يفرض نصر الله الدولة على منهاجه ومنهاج اولياءه الإيرانييين ويختار من الحلفاء السنة والمسيحيين ما يناسبه ويناسب العجم والسوريين، وساعتها فإن السلاح سيسلم لحكومة أو دولة مُساقة من أذنيها وعنقها من قبل الإيرانيين، وكأن الأمر لا يعدو تحويل السلاح الإيراني من اليد اليمنى إلى اليسرى.
وإن لم ينجح في هذا فليس إلى الحرب الأهلية التي نظن أن خيارها قائمٌ ومرغوب به من قبل جميع اعداء لبنان وبينهم إسرائيل ذاتها.
وهذا المطلب، بل كلا الخيارين ( إسقاط الحكومة أو الحرب الأهلية ) سبق نصر الله إليهما، كلا من حلفائه الإيرانيين والسوريين ربيبهم نصر الله.
أنا اظن أن هناك جولة، بل جولات من الحروب التحريكية المسرحية، يقوم بها حزب الله من أجل نسف الوئام اللبناني وتدمير اللحمة الوطنية اللبنانية، لينتهي أما بفيدرالية فارسية في الجنوب اللبناني أو تحويل لبنان كله إلى محمية فارسية تأتمر بأوامر الولي الإيراني السفيه.
ولا أشك في أن ذلك سيتحقق له، فيما لو إستمر صمت اللبنانيين بما فيهم الشيعة المتحضرون المثقفون مضافا إلى العرب والعالم المتحضر وعلى رأسه الأوربيون والأمريكان.
سيتحقق له ذلك طالما النظامين السوري والإيراني قائمين ومرضيٌ عنهما من قبل الأمريكان والغرب الأوربي المتخاذل المتوسل للإيرانيين لإيقاف بحوث قنبلتهم النووية.

كامل السعدون

أوسلو في ال24 من سبتمبر 2006