1

اُعدم الرجل الدكتاتور، ذهب بخيره ( لمن كان خيره بأيديهم ) وبشرّه الذي كان للعراقيين عامة النصيب

لا نشك في أن بعض الأطراف ساهمت بهذا القدر أو ذاك في التغيير لا حبا بالعراق والعراقيين، بل ثأرا من النظام السابق الذي احتضنوه حينا وأختلفوا معه أحيانا
الأوفر منه، وخيرٌ العمل الآن قلب الصفحة والتفرغ لصفحات أخرى من تاريخنا الملتبس الملتوي المثقل بالهزائم والأحزان.


بعض الكتاب لا يكف عن شتم الميت والنبش بجثته والرقص حولها ليل نهار ( حسب ما يدعي احد السادة المسؤولين الجدد في العراق من أن هذا تقليد عراقي )، وبعض آخر يتباكى بحنق وحسرة على غربة الأمة وضياعها بعد صدام وكأنها كانت معلقة برقبته وسحقها حبل الشنق فأنهرست مثل صرصار أو قملة ( وبئسها الأمم التي تموت بموت طغاتها )...!


الرجل ما أذهبه ظلمه كما يتوهم البعض، فكم من ظالم مات على سريره، لا بل وخلّف الحكم لغيره من الأنجال والأحفاد...!


والرجل ما علقه على المشنقة شيعة أو عرب أو عراقيون، بل الأمريكان والأمريكان حسب..!
والرجل كان طاغية دكتاتور فرد، ليس بسني ولا شيعي ولا علاقة له بإسلام أو مسيحية، تماما كما لم يكن لينين أو ماو على علاقة بالمسيحية أو الكونفوشيوسية...!


، لكنه عصف به ريح الصرصر الذي يعصف بالمنطقة منذ الحادي عشر من سبتمبر، ولا زال امامكم يا اهلنا مقتلة كبيرة وضياع اكبر لرؤوس وأنظمة وبلدان وحدود وقيم وتقاليد وأعراف، فليتكم تكفون عن الذي راح وتتفرغون للآتي وهو اكبر بكثير.


هي فتنة امريكية يا اخوة... فتنة امريكية لمن فرح ولمن حزن والغرض منها زيادة الفرقة والشقاق بين العرب.
هم يعرفون انكم تُستفزون على المظاهر لا الجواهر...!
يعرفون انكم تُستفزون مُتأخرا بعد أن يكون السيف قد وقع في النحر...!
ويعرفون أنكم سطحيون هامشيون، ولأجل هذا اوقعوا بينكم هذا الذي وقع..!
فليتكم تأخذون من الدرس خير ما فيه من العبر.
وأول تلك العبر أن تلتفتوا بجد صوب العراق، أو بعض العراق الذي لا زال معافى وهو كٌردستانه.

-2-

لا تكف كُردستان العراق عن الإبهار المنقطع النظير...!
لا يكف احفاد الميديين والكوتيين الأماجد الذين قطنوا هذا الشرق منذ ما قبل الميلاد بآلاف عديدة من السنين وأنشأوا عند النهرين وحول جبال كوردستان في العراق وتركيا وإيران، انشأوا حواضر بهية عامرة، لا يكفون عن إبهارنا اليوم بما هو فيه منشغلون من بناء دولة عصرية حضارية فتية جميلة معافاة، لا اشك في انها ستغدو في بضع سنين درة الشرق بغير منازع.
فعلاوة على الديموقراطية والعلمانية الناهضة في كُردستان، هناك نهوض في ميادين البناء والتنمية، سواء بناء وتنمية الإنسان أو إنشاء المصانع والمؤسسات العلمية والتقنية العالية الراقية.
أما آخر ما بهرني لدى الأخوة الكورد فهو هذا السلوك الحضاري الراقي الذي ابدوه إبان وبعد محاكمة وإعدام صدام.


لم نرَ لهم مظاهرات فرح وحشية تذكر بأعراس زنوج افريقيا في القرون السالفة.
لم ينشغل إعلامهم بالحدث إلا مرور الكرام.
لم يوقّع رئيسهم ورئيسنا على الحكم، ولم يتدخل جهازهم القضائي إلا بشكل حرفي فني راقٍ، أما التنفيذ فقد تُرك لغيرهم، علما بأن قضاتهم كانوا غاية الحرفية والحياد والحزم المهذب.
لم يطلب اي من مسؤوليهم الكبار أن يحضر عرس الدم، ولم يتهافت متهافت منهم على التصوير، ولم نرَ دبكة كوردية حول الجثة، بينما العزيز الربيعي يؤكد بمنتهى الثقة والحماس أن الرقص حول الجثث ليس تقليدا زنجيا حسب، بل هو تقليد عراقي، فكيف وهؤلاء الكورد عراقيون وتراجيديا انفالهم وحلبجتهم، ما مرت على بشر قبلهم ( إلا هولوكوست هتلر لليهود ومذابح الأتراك للأرمن )...!
لا يكف الكورد العراقيون احفاد صلاح الدين الأيوبي عن الإبهار، فهلا تتعظون أيها العرب... هّلا...!

-3-

اكبر الخاسرين من ضياع العراق وتمزقه وإحتراب عناصره مع بعضها البعض، هم العرب.. لا الأمريكان ولا الإيرانيين ولا الروس أو الفرنسيين.
اكبر الخاسرين من التغيير المشوّه الذي حصل في العراق قبل قرابة الأربعة اعوام هم العرب.. جماهيرهم وأنظمتهم ومستقبلهم وحرمة اراضيهم وثقافتهم وإقتصادهم.
والخسارة تأتت ولا شك من غيابهم الباكر عن رسم خارطة التغيير مع اخوتهم العراقيين ومع الحلفاء الغربيين الذين غزوا العراق واسقطوا النظام...!
لا نشك في أن بعض الأطراف ساهمت بهذا القدر أو ذاك في التغيير لا حبا بالعراق والعراقيين، بل ثأرا من النظام السابق الذي احتضنوه حينا وأختلفوا معه أحيانا.
الآن لسنا بوارد تقليب تلك الصفحات العتيقة بخيرها وشرّها فليس من جدوى البتة من وراء مثل هذا الحرث في تاريخ من الأخطاء متواصل منذ عشرات السنين، لكن... نتساءل حسب... أما يفكر العرب بإصلاح ما يمكن إصلاحه من اخطائهم وعثراتهم بحق العراقيين أو البعض من العراقيين على الأقل ممن لا زال هناك رجاءٌ وأملٌ فيهم...!
وبالذات أخوتنا كورد العراق الطيبون ذوو الخلق النبيل والروح الإنسانية العالية والشجاعة الفذة والصداقة المأمونة للعرب... كُل العرب....؟
ايها العرب...هذه كوردستان آمنة لكم.. لأستثماراتكم.. لأموالكم... للسياحة والدراسة والعلم المشترك... متى تنتبهون لها وتعون جيدا حجم وقيمة وعظمة التغيير الحاصل فيها، فتدعمونه بقوة برساميلكم وخبراتكم وعلاقاتكم وحضوركم الكبير الواسع النطاق...؟
هذا جزءٌ حيٌ حٌرٌّ معافى من العراق، يسكنه شعبٌ مسلمٌ كان له عليكم وعلى الإسلام والحضارة العربية عبر العصور دورٌ كبيرٌ خطيرْ، فهّلا تبصرون وتعتبرون...!
لقد اخطأتم كثيرا بحق العراق وشعوب العراق عامة، وبينها الشعب الكوردي، وإذا كان العراق العربي غارق الآن بالفوضى والحرب الظلامية الطائفية الوسخة، فهنا في كوردستان عقلاء طيبون معتدلون إسلاميا وهم براجماتيون واقعيون، وهم كما غيرهم من العراقيين، كانوا بعض ضحايا النظام وضحايا صمتكم الطويل وتواطئكم المبيت معه...!
الآن فرصتكم لمدّ اليد لهم، ولا اشك في انهم سيمدوا لكم اليوم وغدا اكثر من يد حبلى بالخدمات والخبرات والحب الصادق.

كامل السعدون

النرويج ndash; ك2-2007