ليس هنالك في أية بؤرة من بؤر الصراع التي إشتعلت أو أشعلت في المنطقة بسبب داخلي محلي موضوعي كافٍ للمواجهة، لا في لبنان ولا في العراق ولا في فلسطين وجميعها ثبت بأن أسبابها خارجية، ففي فلسطين بدأت المواجهات بين حركتي فتح وحماس من وقيعة إسرائيلية لأنها تراهن على حرب أهلية وتغذيها.

وفي فلسطين لا توجد حركة قادرة على الاستفراد بالسلطة، وتكفي حقيقة أنّ التجربة المكونة الأساسية للوعي الوطني الفلسطيني من خلال كفاحه الطويل أن تمنع الحرب الأهلية من أن تبدأ وستكون مغامرة غير محسوبة العواقب إن بدأت ونتائجها ستكون كارثية على جميع حركات المقاومة داخل فلسطين وبالتالي ستبقى فلسطين بؤرة صراع إن لم تأخذ جميع الأطراف بما فيها إسرائيل على عاتقها ولمصلحتها بوقف المجازر في هذه المنطقة سواء كانت على يدها أم على يد غيرها.

إن هذه المغامرة هي أيضاً محاولة لإنتزاع الأمن الوطني الفلسطيني من يد كل القوى المؤثرة على الساحة الفلسطينية وتفريغ المقاومة من سياقاتها الحضارية والقومية والتاريخية والعقائدية ويبدوا أن بعض قادة المقاومة لم يستوعبوا مخططات بني صهيون.

إن الشعب يعيش أزمة هوية أو هويات حركية تشكلت لمقاومة الإحتلال ولمنع قيام حرب أهلية حتى لا تتلطخ الأيادي بدماء الأشقاء جراء الإغتيالات وكأنما حركات المقاومة حادت عن أهدافها الإستراتيجية وتحولت الى ميليشيات وزعمائها تحولوا الى أمراء حرب وفرغت شعارات المقاومة من محتواها كما فرغت الإتفاقيات أيضاً.

إن الرادع الوطني ضد الإحتلال هو المقاومة وليس إتفاقيات سلام ناقصة يجبر طرف على تنفيذها ويتحلل منها الآخر، وكما أنه لا توجد آلية كافية لتدفع إلى المواجهة، كذلك لا توجد آلية داخلية لمنعها وتجنبها، فديناميكية المواجهة هي الصراع بين محاور إقليمية والتي باتت تفرض نفسها على الحركات الفلسطينية فرضًا، وما زال المجتمع الفلسطيني صامدًا أمامها، ولكنه لم يستطع حتى الآن وحده تطوير آلية وفاق ومصالحة.

ولم تتبنَّ الحكومة الفلسطينية الحالية ولا قادتها إستراتيجية لتوحيد سلاح المقاومة في وجه الإحتلال ولكن المشكلة أنّ كل حركة تريد الإستفراد بالسلطة، ونأمل من هذه القوى والحركات أن لا تجر بعضها البعض الى المحاور التي تقوم بتزويدها بالمال والسلاح وبالتالي تصبح أسيرة المحاور وكأنها حرب بالوكالة كما هو في العراق وهو توقيت مناسب لتمرير مخطط صراع بين القوى الدولية المختلفة وعلى الساحات التي يدور فيها القتال.

كل هذا من أجل أن يبقى الحصار وتزيد وتيرة العنف بين حركات المقاومة حتى لايتم تغيير الحكومة بحيث يتضمن هذا التغيير الإمساك بمراكز القوة والسيطرة والتحكم بعملية صنع القرار عبر وزارات مثل الداخلية والخارجية والأمن والمالية ليستمر الصراع الداخلي تأزماً ويبقى الجوع والتجويع هدفاً ليحقق زعماء إسرائيل طموحاتهم.

إن القوى المتصارعة بالوكالة في المنطقة تريد أن تدفع بالمحور الأقليمي الذي يشعر بحاجة ملحة حاليا لمسار تفاوضي بعد فشل الحرب على لبنان والفشل المدوي في العراق، ويلتقي مع حاجة مماثلة في إسرائيل، وهذا الإدراك وحده يكفي لنبذ المتطرفين أينما وجدوا لتتشكل حكومة وحدة وطنية تتحدى الحصار وتبدأ بالتنسيق المتبادل بين الحكومة والرئاسة لتشكل توازنا ونوعًا من الوحدة التي ينبغي أن تكون.

المصيبة هي وقوع ما يمكن تفاديه فالسياسة الأمريكية في فلسطين هي تسليمها بحرب أو بدون حرب الى إسرائيل للمحافظة على مصالحها الإقتصادية في المنطقة، وباستطاعة هذا المحور الذي نشأ بعد حروب الخليج المتعاقبة والتي كان فيها الدور الأمريكي بارز ومؤثر ولهذا أفتعلت الحرب على العراق من أجل إعدام صدام وإعدام العراق وإعدام فلسطين.

ولكن ينبغي على أمريكا وحلفاءها أن يفهموا أنّ إتفاقيات quot;سايس بيكوquot; قد إنتهت وأنه لابد أن تقوم حركات مقاومة أينما وجد إحتلال لينتهي معه النظام الإقليمي برمته وأنّ انفراط هذا العقد سوف يأتي على كل شيء وأن المنطقة لم ولن تبقى ضمن التقسيمات الجغرافية الحالية، وفقاً لمخطط الشرق الأوسط الجديد.

مصطفى الغريب