مرة أخرى تعود أنقرة للعبث بالشأن العراقي بحجةquot;الاصلاحquot; مبينة إنهاquot;لمن الناصحينquot; وتجمع ثلة أخرى من العراقيينquot;المهمشينquot; تتقدمهم ورقتها الصفراء الذاويةquot;الجبهة الترکمانيةquot;، من أجل عقد مؤتمر بشأنquot;کرکوکquot;. والذي يلفت النظر، إن ظاهرة عقد المؤتمرات المتعلقة بالشأن العراقي قد بات أمرا محببا لترکيا و باتت ترمي کل ثقلها من أجل البحث عنquot;النتفquot;العراقية التي تتواجد في quot;الزوايا و الارکانquot;البعيدة عن الاضواء من الذين ليس لهم أي دور واضح و ملموس على ساحة الاحداث، بل وإن الجبهة الترکمانية التي ملأت الدنياquot;صخباquot;بخطاباتهاquot;العنتريةquot; وبquot;جماهيريتهاquot;المزعومة داخل الوسط الترکماني، هي بنفسها عادت لتختلق الحجج و الاعذار المتباينة بعد أن توضح قصورها المفرط من هذه الناحية والتي کانت تجربة الانتخابات التي جرت في کافة أرجاء العراق دليلا على کذب و زيف إدعاءاتها على صعيدين:
الاول: لقد أثبتت الانتخابات ضئالة التأييد الترکماني لهذه الجبهة من خلال الاصوات الاقل من متواضعة التي حصلت عليها.


الثاني: بينت الانتخابات بوضوح إن نسبة(13%)من سکان العراق والتي يشکلها الترکمان بحسب إدعاء الجبهة کانت هي الاخرى ضحکة على الذقن الترکي و على ذقون بعض من دول المنطقة التي راهنت لفترة على هذه الجبهة وإن الرقم الحقيقي لايصل حتى الى3%!


وترکيا التي تدعيquot;علمانيةquot;نظامها و کونها أقرب للنظام الدولي quot;المتحضرquot;في معالجته و تصديه للأمور، تکاد تکون دولة من أوائل القرون الوسطى عندما يتعلق الامر بالشأن الکوردي، وهي تحاول أن تستخدم کل الخيارات المتاحة لديهاquot;بما فيها التلويح بإستخدام القوةquot;لحسم مشکلة quot;أتراک الجبالquot; الذين يبدو أن لهم تسمية أخرى خارج الإطار الترکي. لکنها و بسبب من النظام الدولي الجديد الذي لم يعد اللعب فيه متاحا بنفس الانماطquot;الکلاسيکيةquot;السابقة، تحاول من خلال لعبةquot;المؤتمراتquot; أن تضرب عصفورين بحجارة واحدة، إذ هي تسعى من خلال هکذا مؤتمرات لإحراج التجربة الکوردية و التضييق عليها أولا، والتمهيد لسوق مبررات قد تفيدها مستقبلا لو إبتغت أن تقوم بمغامرةquot;عسکريةquot;أو حتى مناورة سياسيةquot;مخططquot;لها ضد أبجديات الواقع الکوردستاني الحالي الذي بات شغل أنقرة الشاغل.


وقد تکون تصريحات السيد وزير الخارجية المصري الاخيرة بشأنquot;عراقية کرکوکquot;و حرص مصرquot;الضمنيquot; على عدم إقامة دولة کوردية من خلال الحديث عن وحدة التراب العراقي، بمثابة دعم المزاعم الترکية بخصوص العراق، رغم إن السيد أبو الغيط لم يبدو إنه قد إستوعب الواقع الحالي في العراق و مازال يتحدث بنبرة لم تعد مقبولة وليس بالامکان إيجاد آذان صاغية لها، والواقع إن وزير الخارجية المصري قد لايعلم شيئا عن الضغوطات الاوربية على ترکيا بخصوص إيجاد حل للمشکلة الکوردية فيها مثلما إنه قد لا يدري شيئا بالمرة عنquot;التجاهلquot;الامريکي للمطالب الترکية بشأن حلquot;بسمارکيquot;للقضية الکوردية ليس لديها فقط وإنما في عموم کوردستان المجزأة.


والحق، إن أنقرة التي تتوالى فيها المؤتمرات بخصوصquot;عراقيةquot;کرکوک و ما إنبثق عنها من quot;تجمع العراقيين في الشمالquot;الذي ليس له حضور إلا في أنقرة نفسها، تعقد مؤتمرا (آخرا) على أراضيها بشأنquot;الازمة الکورديةquot;لديها و التي يفسرها المراقبون السياسيون بإنها مجرد مناورة سياسية تستخدمها ترکيا لأغراض إعلامية و إنتخابية بحتة إذ أنها وفي نهاية المطاف لا تعترف بوجود أية quot;مشکلة کورديةquot;على أراضيها، ورغم إنه قد يبدو في ظاهر الامر ان حکومة العدالة و التنمية باتت تهتم بالشأن الکوردي من خلال عقد أکثر من مؤتمر يسير بنفس السياق، لکن واقع الاهداف و النوايا السياسية المبيتة خلف هذه المؤتمرات إن سبب البکاء الرئيسي هو علىquot;الهريسةquot; وليس علىquot;الحسينquot;!


إن الحکومة الترکية تبدو وکأنها تتعامل مع واقع النظام الدولي الجديد الذي تتجلى أهم معالمه فيquot;إستقلال الشعوب المظلومةquot;وquot;إنزال القصاص بالمستبدينquot;، تبتغي التحکم بالمنطق الحضاري الذي يسود العالم من خلال مجموعة أفکار عفا عليها الزمن، وإن تشبث حکومةquot;العدالة و التنميةquot; بسياسة الإصرار على إنکار حقوق الشعب الکوردي و سعيها لإحداث عرقلة أو إرباک لمادة أساسية من مواد الدستور العراقي، يؤکد بحق ان ترکيا عاقدة العزم على أن لايکون هناک إستقرار و أمن و سلام حقيقي و واقعي في عموم المنطقة وإنها تريد إبقاء کل أسباب الصراع و الإختلاف و الازمات في ترکيا بشکل خاص و في دول الجوار الاخرى بشکل عام.


وقد جاء الرد الذي أدلى به ناطق بإسم رئاسة إقليم کوردستان بشأن رفض تصريحات رئيس الوزراء الترکي بشأن کرکوک وعدها تدخلا في شؤون العراق الداخلية، بمثابة تنبيه للسيد رجب طيب أردوغان من إنه قد ولت والى الابد سياسة التهديد و الوعيد وإن الاوضاع في الشمال الکوردستاني قابلة للإنفجار في أية لحظة من جراء هذه السياسة السقيمة التي تصر على إستخدام مبدأ القوة في فرض الامور.
ترکيا التي تسعى اليوم للدخول الى الاتحاد الاوربي و تدعي بعلمانيتها و ديمقراطيتها، يجب أن تسير في سياق يتفق مع کل ذلک، وإن سياستها الحالية بالنسبة للکثير من الملفات الخاصة بها، تسير بنمط يعيد للأذهان صورة تلک الايام التي کانت فيها quot;الدولة العثمانية العليةquot;تقوم بشوي ظهر الانسان حيا وهو مقيد ثم تقوم بدفع الکلاب لنهش لحم ظهره المشوي، ومن يدري، لعل السيد أردوغان ينوي إعادة أمجاد الاستانة بهکذا صورة!

نزار جاف
[email protected]