الحسين بن علي عليه السلام هو سبط الرسول صلى الله عليه وآله وريحانته في الدنيا وسيد شباب اهل الجنة في الاخرة، ومع ذلك فقد عاش مظلوما ومات مظلوما وبقي مظلوما الى يومنا هذا بسبب ما تعرض له من افراط وتفريط، ومن مظاهر مظلوميته في حياته هو معاصرته للفتن والحروب التي اودت بحياة ثلاثة من الخلفاء الراشدين واثنين من ( العشرة المبشرة) حتى جئ به الى كربلاء بدعوات من وجوه الكوفة، واذا عزى المتخصصون المظلومية الى الطريقة البشعة التي قُتل بها واصحابه واهل بيته حتى لم يسلم الطفل الرضيع من وحشية القوم فذبحوه من الوريد الى الوريد بسهم اطلقه الشقي حرملة بن كاهل، فانا اعزي المظلومية الى جهل القوم بحقه ومقامه الى درجة ان يتجرأ احدهم عندما رأى اصحاب الحسين يضرمون النار في خندق حفروه من الجهة الخلفية للمخيم لاتقاء حملات القوم من الخلف لا سيما ان عددهم كان قليلا جدا مقارنة مع العدو وهو عبد الله بن حوزة فيقول : أتعجلت بالنار يا حسين؟ فكيف قال الرجل ما قاله وهل كان يعني ما يقول ام كان يدلس؟، وهل كان هذا النمط من التفكير هو السائد على عقول جيش ابن زياد في ذلك الزمان؟.
لقد خرج الحسين كما صرح بنفسه للاصلاح في امة جده عليه الصلاة والسلام وانه لم يخرج أشرا ولا بطرا، والاصلاح هو خط الانبياء كما يصرح القران في قوله تعالى على لسان شعيب النبي : ( ان اريد الا الاصلاح ما استطعت وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه انيب. هود /88)، وقد جعل الله الخير في الاصلاح كما في قوله تعالى ( لا خير في كثير من نجواهم الا من أمر بصدقة او معروف او اصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما. النساء /114).
وقد أتى الله تعالى المصلحين ولا سيما الامام الحسين عليه السلام أجره في الدنيا والاخرة، وهو الذي قال ) والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة انا لا نضيع أجر المصلحين. الاعراف 170)، واما اجره في الدنيا فبعض مصاديقه هو تشريفه بالذكر الدائم منذ 1400 سنة وقبره بات مهوى لافئدة المسلمين ووصلت راياته الى مشارق الارض ومغاربها بدون استعمال سيف ولا اراقة دماء، اذ لا توجد قارة على وجه الارض لا يذكر فيها الحسين واصحابه في كل عام، واما في الاخرة فلا نعلم ما أعد الله له من قرة أعين على ان القران اعتبر الشهداء الذين يقتلون في سبيل الله احياء عند ربهم يرزقون والحسين فخر الشهداء وسيدهم بلا منازع.
وهذه منابر الحسين تنشر الثقافة والعلم والدين والعرفان والادب والتربية والاخلاق والمعرفة والتاريخ واستثني منها المنابر الطائفية الضيقة التي تسئ اكثر مما تفيد، وايما منبر لا يدعوالى الاصلاح لا ينتمي الى الحسين عليه السلام، ومن الخطأ التصور بان الشيعة ينفردون باحياء هذه الذكرى، فالسنة ايضا يحتفلون ويحيون هذه المناسبة ولكن بطريقتهم الخاصة، وحتى المغالون في التطرف يذكرون الحسين فيقولون لقد قتل سيدنا يزيد سيدنا الحسين ( فرضي الله عنهما جميعا)، مع ان عكس الاصلاح هو الافساد ويقابل المصلح من الجهة الاخرى المفسد كما في قوله تعالى ) والله يعلم المفسد من المصلح. البقرة/220) فالحسين اذن اسم مبارك اجراه الله تعالى على كل لسان واراد له الخلود، والا كيف ترتفع ملايين الرايات في مختلف انحاء العالم مقابل راية واحدة سقطت من حاملها يوم كربلاء، وما هذا الطعام والشراب الذي يبذل بالاطنان منذ 1400 سنة مقابل جوع وعطش عدة ايام، وكيف ارتفعت القبة الشامخة والمنائر الذهبية مقابل خيام بالية احترقت في يوم العاشر من محرم فذهبت مع الريح وقام مقامها هذا العز و هذه الكرامة وهذاالذكر المستمر بمختلف لغات العالم.
فالحسين هو الداعي المطلق للاصلاح وهوابن سيد الاصلاح علي بن ابي طالب عليه السلام الذي عاش في كنف الخلفاء الثلاثة الذين سبقوه تسكنه روح الصلح والاصلاح، وكان مثالا للتعامل الراقي معهم وبذل المشورة لهم بكل اخلاص ويتجلى كل هذا بوضوح في ارساله الحسن والحسين للدفاع عن الخليفة عثمان بن عفان (رض) حتى لا تكون قتل الرؤساء سنة بين الناس، وهو أخ الامام الحسن الذي قال عنه الرسول الاكرم انه سيد ويصلح الله به بين فئتين من المسلمين، و دخل فعلا في الصلح مع معاوية وحقن دماء المسلمين.
والحسين عليه السلام في كربلاء لم يبدأ القوم بقتال بل طلب منهم لاتمام الحجة ان يدعوه يرجع من حيث أتى، كما انه طلب من اصحابه ان يتفرقوا عنه ويتخذوا الليل جملا لان القوم يريدونه شخصيا.
وعليه فان المرحلة الراهنة التي تمر بها الامة يتطلب من جميع المسلمين الاستفادة من رسالة الاصلاح الحسينية كي لا تضيع تضحياته الجسام سدى، فالحسين المصلح باق ما بقي الدهر وما ابقى الله ذكره الا لينير الدرب للتائهين ويستفيد منه الناس في مختلف العصور، على ان خط الفتنة والخراب والافساد الذي يقف قبالة خط الاصلاح لن ينتهي بل سيزيد شراسة كلما التف المسلمون حول الحسين، ولكن هذا الخط الاقوى (ظاهرا) ليس الابقى على ارض الواقع والا فأين قتلة الانبياء والاولياء والمصلحين؟ أين قتلة الحسن والحسين؟، وان التضحية من اجل الاخرين هو قدر الانبياء والائمة وتبقى علينا كيفية الاستفادة من هذا القربان العظيم والتضحية الكبرى التي قُدمت على طريق الانبياء، طريق الاصلاح، وما احوجنا ان نستفيد من ثورة الامام الحسين فيالصلاح و الصلح والاصلاح والله لا يضيع أجر المصلحين.
حسين ابو سعود
التعليقات