اللافت فى هذا العام أن المنافسة الحادة ndash; والأيجابية فى رأى- بين صناع الدراما العربية قد فجرت ظاهرة عجيبة غريبة تعود بداياتها إلى العام الماضى، وتجعلنى اكرر عبارة والدى يرحمه الله.. فين ايام زمان،ايامنا يا ابنى كانت احسن من اياكم..


ولأول مرة فى تاريخ الدراما العربية بدأ الحديث يدور عن صراع دموى تناحرى بين المسلسلات العربية وفق جنسياتها،البعض يروج لمقولة المسلسل السورى قد قام بتصفية المسلسل المصرى،والبعض الأخر يؤكد أن الفنانين السوريين دمروا زملاءهم المصريين،وبالمقابل ردود أكثر قسوة من جانب المصريين وصلت إلى مجلس الشعب.. الخ.وبالرغم من أننى لست من انصار المنطق القومى فى التعامل مع هذا الصراع المفتعل،إلا اننى تذكرت عبارة والدى المرحوم،لاننى تذكرت قبلها رموز السينما والأغنية العربية فى القرن الماضى صباح وعبد السلام النابلسى وفريد الأطرش وفايزة أحمد واخرين جاءوا إلى مصر، وتذكرت توفيق صالح واخرين ذهبوا إلى دمشق.


هذا ما دفعنى للتساؤل لماذا لم يتحدث احد آنذاك عن صراعات عجيبة غريبة بين الدراما المصرية والدراما السورية؟ لابما لان ايامنا كانت اكثر نضجا فى التعامل مع الأبداع الثقافى والحضارى!!!
لماذا يتم التركيز على هذه الترهات والصراعات الوهمية،ويتم تجاهل الموضوع الأكثر اهمية هو ماذا حققت الدراما العربية فى هذا الحراك العربى،وفى ظل هذه المنافسة الحادة بين مدارس مختلفة؟ هل تمكن مسلسل الملك فاروق ومسلسل باب الحارة من انهاء ظاهرة مسلسل النجم التى اخترعها بعض المنتجين؟اما أن مسلسل قضية رأى عام انقذ نظرية المنتجين من الأنهيار؟


مما لاشك فيه أن ما قاله النجم السورى ايمن زيدان قد اصاب كبد الحقيقة عندما حدد الفرق بين المسلسل السورى والمسلسل المصرى،وهو فارق يعكس مدى تحكم المنتجين والسوق التلفزيونى فى مصير وعى المشاهد الغلبان،لقد قرر المنتج أن النجم هو اساس نجاح العمل الدرامى..حتى لو كان بيقول ريان يافجل.. وارهقوا ميزانية المسلسل بأجور النجوم،فكانت النتيجة ضعف بقية جوانب العمل الدرامى،وهذه الظاهرة التى يصر عليها المنتجون هى التى تسببت فى تراجع الدراما المصرية وترديها.ولعل نجاح ليالى الحلمية الذى لم يعتمد على نجم واحد دليل حى على ذلك،ولعل تألق مسلسل القاهرة والناس الذى قدم عشرات النجوم ابلغ رد على المنتجين.لقد نجح المسلسل السورى لانه اعتمد على تقديم ميزانيته لخدمة العمل الدرامى وليس النجم.


ولكن ليس بالخبز وحده يحيى الأنسان،فأبداع الفنان العربى يحتاج لأجواء ديمقراطية تمنحه حرية التعبير والتفاعل مع الواقع الذى يجسده فى أعماله الفنية.واذا كانت الدراما السورية قد برعت فى تقديم الأعمال التاريخية،إلا انها وضعت الرقيب الذاتى ليجور على مسلسلاتها التى تتناول الوضع الراهن.ولعل الرقيب المصرى اكثر خبثا وذكاء من الرقيب السورى،ما فسح المجال لظهور العديد من الأعمال الفنية التى تتحدث عن الفساد فى القمم المجتمع المصرى باسلوب غير واقعى،والتى تنتهى دائما ndash; وخلافا للواقع- النهاية الكلاسيكية السعيدة،حيث ينتصر رمز الخير(البطل)على رمز الشر بمساعدة ومساندة اجهزة الأمن الشريفة او المسؤولين الشرفاء.مع أن الفساد والبلطجة والنهب الذى يمارس من قبل قمم المجتمع هو الذى ينتصر فى الواقع.


واذا اردنا تقييم سباق مسلسلات رمضان،فلابد من القول أن نجاحا هاما قد حققه صناع الدراما العربية فى العديد من الجوانب الفنية والتقنية وفى تطوير الأداء الدرامى،بدء من تجسيد الشخصيات،مرورا باللقطات الفنية المعبرة،والديكورات التى تنقل المشاهد لأجواء الحدث،وانتهاء بالموسيقى التصويرية المتميزة والتى كانت اضافة فنية لعدد من المسلسلات،وانقذت بعض المسلسلات من الرتابة و الملل التى سيطرت عليها.


بعبارة اخرى نجحت الدراما العربية فى أن تقدم NEW LOOK متميز،منحها بريقا اجتذب المشاهد لمتابعتها. وتميز أداء العديد من ممثلي هذه المسلسلات ليصل بهم لمستوى عمالقة الدراما العربية.
إلا أن المسألة لا تقتصر على الأداء والتصوير،وانما تتسع لمناقشة المضمون واسلوب المعالجة الدرامية، والذى كان اسوء ما عانت منه المسلسلات الرمضانية بدء بمسلسل باب الحارة،مرورا بقضية رأى عام وانتهاء بمسلسل الملك فاروق.


بأختصار لا جديد فى العقل العربى..فالاداء المبهر لممثلى باب الحارة والبناء الدرامى المتميز له،ونجاح مخرج العمل على رسم اجواء الحارة،اقتصر على رسم صورة حارة فى منتصف القرن الماضى،وحياتها اليومية ومحاور مشاكلها وازماتها وفق رؤية المؤلف،وجاءت قضايا النضال التحررى الوطنى عابرة،وتم اقحامها على مسار الأحداث بشكل ضعيف لأعطاء ابعاد اضافية،ولو تم الغاء هذا الجانب لما ادى ذلك لتغيير جوهرى فى مسار أحداث هذا المسلسل.واستعير عبارة هامة وصحيحة لناقد نزار جاف حول جوهر ما قدمه هذا المسلسل وحجم الأقبال الجماهيرى لمتابعته،حيث جاء المسلسل ليقول انه بالرغم من تنامى الأتجاهات العلمانية والليبرالية، وانتشار الدعوات لبناء مجتمعات متحضرة تؤمن بقيم ومبادئ حقوق الانسان ومنظمات المجتمع المدني،والتى لم تقتصر على مجموعات المثقفين،وانما انضمت إليها القيادات السياسية،إلا أن الشخصية العربية مازالت سجينة المنطق الشرقى والذكورى الذى استقبل ايجابيا لدى المشاهدين،وبالفعل لقد فضح مسلسل باب الحارة الجماهير قبل نخبها السياسية والثقافية على رؤوس الاشهاد.ومرة أخرى يقع المسلسل فى فخ الحدوتة التى بعد 30 حلقة تحل كل المشاكل فى حلقة واحدة بنهاية سعيدة وعدد كبير من حفلات الزواج.


اما مسلسل قضية رأى عام فبالرغم من جرأته واهمية القضية التى قدمها للمشاهد،اضافة للأداء المتميز ليس فقط للنجمة يسرا،وانما ايضا لعدد من الوجوه الشابة وابرزهم لقاء الخميسى،إلا ان اصراره على رسم الشخصيات بشكل لا يتطابق مع الواقع،وبناء قضية رأى عام استنادا إلى أن ضحية استاذة كبيرة وشخصية لها وزن أجتماعى تدرك حقوقها، هو تأكيد على أن حق المواطن العادى سيظل مهدور،لأن معنى هذا أن الأعتصاب اذا وقع على فتاة بسيطة وحاولت الحصول على حقها القانونى فالنتيجة ستكون سلبية بالتاكيد.ناهيك عن القضية المطروحة مكررة وتم التعامل مع اغلب جوانبها بسطحية.المسلسل بكل صفاقة يتجاهل أن اغلبية ضحايا الأغتصاب هم من البسطاء،ويتجاهل أن الأغلبية الساحقة من الذين يرتكبون جريمة الأغتصاب من الشباب الذى فقد القيم والمبادئ التى انهارت على المستوى العام فى المجتمع المصرى مع سيادة منطق حلال على الشاطر،بل وفقد الشباب المستقبل والأمل فى حياة سوية،فتحول إلى وحش كاسر تحركه نزعاته الحيوانية.أن قصر دوافع مرتكبى جرائم التحرش والأغتصاب على تعاطى المخدرات تسطيح تافه لهذا القضية الخطيرة التى تهدد المجتمع المصرى.


وفى مسلسل الملك فاروق الذى ينبئ بظهور فنان مبدع،والذى تميز بدقة صياغة ورسم أجواءه التاريخية، وقد كان التركيز على استعراض شخصية الملك بأبعادها واهواءها وعلاقته بالملكة نازلى السبب فى تهميش شخصيات اساسية،بل ورسمها بشكل كاريكاتورى يخالف حقيقة دورها فى تاريخ مصر والذى كان بالتأكيد اكبر وأكثر أهمية وتاثيرا من دور الملك فاروق،وهذا الأمر لا يقتصر على شخصية النحاس باشا الذى ظل فى ذاكرة الشعب المصرى زعيم الأمة حتى بعد قيام ثورة يوليو،وانما طال معطم الشخصيات الأخرى.واذا المؤلف يتحمل مسؤولية هذا الخلل،فأن الممثلين الذين لعبوا هذه الأدوار يتحملون نفس القدر من المسؤولية.


أن التضارب فى تقييم المسلسلات الرمضانية،والذى يتسع من الأنبهار إلى الهجوم اللاذع،يعود إلى أن هذه المسلسلات فقدت عاملا اساسيا ورئيسيا وهوالمحتوى،وبالرغم من الجهود الكبيرة التى بذلها العاملون فيها والأداء المتميز للممثلين،إلا انها لم تقدم للمشاهد اى جديد،واستمرت تدور فى فلك الحدوته التقليدية.

مازن عباس

صحفى مصرى