دشنّ الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عهده بإعادة اللحمة بين باريس و الدول المغاربية التي شهدت في العشر سنوات الأخيرة إهتماما أمريكيّا كبيرا بها سياسيا و إقتصاديا و جيوسياسيّا و أمنيا، ففي ظلّ إنشغال فرنسا بأوضاعها الداخلية و إنكفاء دورها مغاربيّا تسللّت عشرات الشركات الأمريكية إلى المغرب العربي ونجحت إلى حدّ كبير من الحصول على الكثير من الإمتيازات الإقتصادية بدءا من قطاع الطاقة ومرورا بقطاع توريد الأسلحة و المعدات الحربية و إنتهاءا بالإستثمار في كافة القطاعات و المجالات، و حتى ليبيا التي كانت إلى وقت قريب مغضوبا عليها أمريكيا أدّى رفع الحصار عنها الذي فرض عليها بسبب تداعيّات أزمة لوكربي إلى تدفق الشركات الأمريكية عليها و حصلت على إمتيازات عديدة في قطاع الطاقة وغيره، و هذا التدافع الأمريكي الكبير بإتجاه المغرب العربي و مراكمة التعاون الأمريكي ndash; المغاربي في مجال الإقتصاد و السياسة و حتى الأمن أيقظ إنتباه الفرنسيين إلى أنّ مستعمراتهم السابقة و المحسوبة على خطّ الفرانكفونية قد بدأت تخرج من زمام المصالح الفرنسية و أنّ الأمريكان نجحوا إلى حدّ ما في سحب هذه الخارطة المغاربية إليهم، بل إنّ الأمريكان بدأوا يناقشون مع العواصم المغاربية موضوع إقامة قواعد عسكرية في الصحراء المغاربية تكون تابعة لقوات أفريكوم الأمريكية المخصصة لإفريقيا و التي أقامها البنتاغون الأمريكي للحفاظ على الأمن الإفريقي و مواصلة تنظيمات القاعدة التي بدأت تنتعش في هذه الجغرافيا نظرا لسعتها و صعوبة تضاريسها وعدم قدرة الجهات الأمنية المحلية من مراقبتها بالكامل. و إذا كان الفرنسيون يتفهمون بالكامل إستحواذ واشنطن على مجمل الكعكة العراقية و غيرها في مناطق لا يعتبرها الفرنسيون من جملة صلاحياتهم الجيوسياسية و الإقتصادية فإنّهم إرتابوا إلى أبعد الحدود عندما أحسوا أنّ واشنطن بصدد سحب البساط من تحت أقدامهم في المغرب العربي، خصوصا و أنّ الحرب الباردة بين واشنطن وباريس حول هذه المنطقة و الإستحواذ على مقدراتها و خيراتها كانت ولا زالت قائمة بين المحورين و قد إستعرت في المدة الأخير بعد حصول بع الدول المغاربية على رساميل ضخمة و كبيرة قدرّت بمئات ملايير الدولارات جرّاء إرتفاع سعر النفط عالميا...


و في هذا السيّاق إندرجت زيارة الرئيس الفرنسي سابقا إلى المغرب وتونس، وقبل فترة وجيزة إلى الجزائر ثمّ دعوة الإليزيه الرئيس الليبي العقيد معمّر القذافي لزيارة باريس و تكثيف إرسال الرسميين الفرنسيين إلى العاصمة الموريتانية نواكشوط..


و تعتبر فرنسا أنّ منطقة المغرب العربي هي الأقرب إليها سياسيا و ثقافيا و إستراتيجيا، بتعبير أحد المسؤولين الفرنسيين فإنّ المغرب العربي جزء من الهويّة الفرنسية، ويقصد الهوية التي ساهم التاريخ القريب في صياغتها حيث يعتبر الفرنسيون أنّ بلاد المغرب العربي تعتبر أبرز مصداق لنجاح الفرانكفونية حيث تكاد اللغة الفرنسية تسيطر حتى اللغة العربية في بلاد المغرب العربي، ويضاف إلى ذلك فإنّ الشركات الفرنسية تلبي تسعين بالمائة من حاجيات الأسواق المغاربية حيث تصل هذه البضائع بحرا إذ تربط بين ميناء مارسيليا الفرنسي الواقع جنوبا و دول المغرب العربي أسطول بحري كامل، و تصر جوا حيث وفي أقل من ساعة ونصف تحطّ طائرة الخطوط الفرنسية في مطارات تونس و الجزائر و الدار البيضاء، بالإضافة إلى شبكة متداخلة من العلاقات المتبادلة و وجود أزيد من خمس ملايين مغاربي كمهاجرين في الأراضي الفرنسية كل ذلك دفع الفرنسيين إلى ضخّ الدماء في علاقاتهم بدول المغرب العربي ليبقى هذا المحور ضمن صلاحياتهم كما يؤكّد الرسميون الفرنسيون، و على الرغم من عقدة التاريخ التي تحكم علاقات فرنسا بدول المغرب العربي إلاّ أنّ باريس حريصة على أنّ تكون المستفيد الأول من تراكم الثروات في بلاد المغرب العربي. وقد نجح الرئيس الفرنسي نيكولا نيكولا ساركوزي في الحصول على عقود إقتصادية من دول المغرب العربي لم تكن فرنسا لتحلم بها مطلقا، فالعقود بين فرنسا و مجمل الدول المغاربية جاوز الثلاثين مليار يورو لصالح باريس على أن تقوم هذه الأخيرة بإقامة منشآت نووية سلمية و قطاعات صناعية أخرى،
فمجموعة توتال الفرنسية النفطية وقعّت وحدها عقدا مع شركة المحروقات الوطنية الجزائرية سونطراك لتشييد مجمع بتروكيميائي في منطقة أرزيو غربي الجزائر بقيمة quot;ثلاثة مليار دولارquot; منها 1،5 مليار تستثمرها مباشرة المجموعة الفرنسية، كما أنّ مجموعة ألستوم الفرنسية التي ترأس كونسورسيوم أعلنت أنّها حسمت تفاصيل عقد مع الجزائر لبناء محطة توليد الكهرباء تعمل بتوربينتين واحدة بالغاز والثانية بالبخار تبلغ طاقتها 1200 ميغاواط quot;بقيمة إجمالية تتجاوز 31 مليار يورو. و في زيارة نيكولا ساركوزي إلى المغرب في وقت سابق وقعت فرنسا والمغرب إتفاقيات مدنية وعسكرية ضخمة فاقت قيمتها المالية ملياري يورو. وتتعلق الصفقة الأولى ببناء قطار فائق السرعة بين طنجة والدار البيضاء. وأبرمت ألستوم أيضا إتفاقية لتوريد 20 قاطرة طراز بريما وبناء محطة لتوليد الطاقة الكهربائية قرب وجدة وتعتبر فرنسا تعتبر الشريك الأول للمغرب في الغرب وتمثل إستثماراتها 60 في المئة من معدل الإستثمارات الخارجية في المغرب، وعلى صعيد التعاون العسكري قام المغرب بشراء بارجة حربية طراز فريم وتقوم فرنسا بترقية 25 من طائرات المغرب من طراز هيليكوبتر وكذا 140 عربة مدرعة. كما وقعت شركة الطاقة النووية الفرنسية أريفا أيضا مشروع إتفاقية مع المكتب الوطني المغربي الشريف للفوسفات لاستخراج اليورانيوم من حامض الفوسفات المغربي. أما العقيد الليبي معمر القذافي فقد وقعّ لدى زيارته إلى فرنسا عقودا جاوزت العشر ملايير يورو و قد أشار الفرنسيون إلى أن العقود مع الليبيين تشمل مصنع تحلية لمياه البحر، وشراء مفاعل نووي، وتعاون في المجال العسكري إضافة الى عقود إقتصادية مختلفة، لأنه من الضروري أن تفهم الدول أنه لا يمكن أن يعامل بالطريقة نفسها من يختار العودة إلى الدرب الصحيح، ومن يختار البقاء خارج الأسرة الدولية و شروطها كما جاء على لسان مسؤول فرنسي.


طبعا لم يدخل في الحساب إعتبار أنّ الشركات الفرنسية لصناعة السيارات و الأدوية و المنتجات الزراعية ومشتقات الألبان و الأجبان و السكك الحديدية و قطارات الأنفاق هي أول مصدّر للدول المغاربية و هذه القطاعات تدرّ على فرنسا شهريّا وليس سنويا ملايير الدولارات..
و الحرص الفرنسي على أن يقوم الرجل الأول في باريس بزيارة الدول المغاربية و الحرص على إستقبال العقيد معمر القذافي في الإليزيه رغم الإعتراضات الواسعة على ذلك مردّه إلى إصرار فرنسا على عدم تضييع سلّة الذهب هذه التي تفطنّت إليها أمريكا، و لشبك العلاقات المغاربية ndash; الفرنسية أكثر و لإدامة الإستفادة الراهنة و المستقبلية طالب الرئيس الفرنسي دول المغرب العربي بالإنضمام إلى ما يسمى بالإتحاد المتوسطي الذي يحافظ على مصالح الكبار و يضمن إستمرار عمل شركاتهم العابرة للقارات و التي لا تستثمر إلى في جغرافيا العالم الثالث، فماذا لو كانت هذه الجغرافيا غنيّة بالنفط والغاز.

يحي أبوزكريا