شاركت في لقاء تلفزيوني هنا في لندن مساء يوم 24/12/2007 تناول الشأن العراقي العام،وقد ذكرت في معرض إجابتي واصفا وفاة الرئيس الراحل صدام حسين بأن كان إغتيالا وستحل ذكراه الأولى يوم الأحد 30/12، بعد اللقاء تلقيت أكثر من إتصال هاتفي يعرب فيه المتصلون من الأصدقاء بأن ما حدث للرئيس الراحل لم يكن إغتيالا وإنما تنفيذا لحكم بالإعدام أصدرته محكمة رسمية عراقية وبعد محاكمة استغرقت أشهرا سمح فيها للمتهم ومحاميه بالدفاع القانوني،ولست هنا في مورد معالجة الوقائع بنصوصها الشكلية والقانونية حيث أننا أمام قضية صاحبها أهم شخصية سياسية عاشت وحكمت العراق لحوالي خمس وثلاثين سنة مستمرة وشهد العراق كل هذا الزلزال التدميري الذي يعيشه لقاء إخراجه من حكم العراق بقوة الإحتلال الأجنبي المباشر وقطعان العملاء من (عراقيي الجنسية وغيرهم من المأجورين)..


أعود الى تلك الليلة..ليلة إغتيال صدام لأكتب بعض التفاصبل عنها،المعلوم أن فرق التوقيت المحلي بين بغداد وواشنطن هو ثماني ساعات أي عندما تكون الساعة ببغداد الثامنة صباحا من يوم جديد فإن الوقت في واشنطن يكون الثانية عشرة ليلا وبداية دخول نفس اليوم الجديد، لذا كنت والعديد من الأصدقاء في واشنطن قد توجهنا مساء الجمعة 29/12/2006 لحضور الحفل الكبير الذي سيحيه الفنان العراقي المبدع الأستاذ كاظم الساهر خصوصا وأنها ليلة عيد الأضحى المبارك الذي سيحل صباح السبت بعد أن أدى حجاج بيت الله الحرام تأدية الحج الأكبر في عرفات( بإعتبار أن يوم عرفات كان الجمعة) وتوجهوا الى موقع( منى) القريب من مكة المكرمة لإكمال مراسم الحج وصلاة العيد، كانت قاعة الحفل قد غصت بالعراقيين والعرب من المعجبين بفن كاظم الساهر وغنائه العراقي الأصيل،وبعد العاشرة ومع شروع الساهر بالغناء،سرت حركة وهمهمة غير طبيعية بين الحاضرين حيث تناقلت الأخبار الواردة من بغداد بأن الرئيس العراقي قد أعدم بحدود الساعة العاشرة وعشرة دقائق بتوقيتنا المحلي بواشنطن(السادسة وعشرة دقائق من صباح السبت 30/12/2006 بتوقيت بغداد)،وقد بعثر هذا الخبر إنتباه الحاضرين في الحفل حيث كان الموجودون يتعاملون وهم جلوس الى موائدهم مع الهواتف النقالة معهم ليستلموا رسائل أو يرسلوا بدورهم ما يرومون معرفته من المزيد عن هذا الخبر وتداعياته المفصلة!!، ومع مجريات الحفل أنتبهت الى إشارات جديدة بين الناس كانت عبارة عن رمز لتحية بالإصابع الوسطية الثلاثة لليد !!،فهمنا بعدها بأن تلك الإشارة كانت تعني بأن عدد الجنود القتلى لقوات الإحتلال الأمريكي في العراق جراء عمليات المقاومة العراقية الباسلة قد بلغ الثلاثة آلاف مع ساعات إغتيال صدام حسين في تلك الليلة!!.


حينما أعلنت المحكمة أحكامها على الرئيس صدام ورفاقه، ألقى نوري المالكي رئيس وزراء الوضع الراهن ببغداد كلمة متلفزة وذلك يوم الأحد 5/11/2006،وقد تابعتها بمقالة لي نشرت في (إيلاف) يوم الأربعاء 8/11/2006 قلت في فقرة منها ما نصه..( حينما نقرأ النص الرسمي لكلمة المالكي،لا نجد وصفا مطابقا إلا بكونها ثأرية إنتقامية تقسيمية للبلد والشعب،تعمق هذا المنحدر الطائفي والعنصري الذي دفع إليه المواطنون العراقيون والعراق البلد بفضل عمالة بعض (العراقيين) للإحتلال الأمريكي وتناغمهم وخنوعهم للأطماع الإقليمية لبعض الدول المجاورة للعراق..)..
وحينما نعود الآن لتقرير خبري نشرته صحيفة( الشرق الأوسط) السعودية التي تصدر في لندن في اليوم التالي لإغتيال صدام حسين وبعددها الرقم 10260 تاريخ 31/12/2006 نثبت الفقرات التي كانت منشورة وقتها والتي تدل على ما كنت قد كتبته ووصفته حول كلمة نوري المالكي وأقتطف من ذلك التقرير الآتي (اقتيد صدام حسين بالأغلال، وقد بدا عليه الهدوء الى قاعة في بغداد في ساعة مبكرة من صباح امس، ثم لف الحبل حول عنقه وجذب أحد الحراس ذراعا وضع نهاية لحياته ومرحلة طويلة من تاريخ العراق.


وشهد سامي العسكري، وهو سياسي شيعي بارز مقرب من رئيس الوزراء نوري المالكي، عملية الاعدام، وأبلغ رويترز بأنها استغرقت 25 دقيقة، غير ان وفاته كانت سريعة للغاية، ما ان انفتح باب في الارض تحت قدميه. وقال العسكري ان صدام laquo;اقتيد الى الاعدام بعد ان تلي عليه الحكم من قبل احد القضاة، وسأله قاض آخر ما اذا كان لديه شيء يقوله او يوصي بهraquo;. وقال ان أحد الحراس جذب ذراعا فسقط صدام نصف متر من خلال باب تحت قدميه وسمع صوت عنقه يدق على الفور، بل وشوهد بعض الدم على الحبل. وأضاف ان الرئيس السابق ترك معلقا في المشنقة نحو عشر دقائق قبل ان يؤكد طبيب وفاته، ثم رفع من المشنقة ووضع في كيس أبيض. وأكد مسؤول آخر حضر الإعدام إن صدام توفي على الفور.
وقال المسؤول laquo;بدا هادئا للغاية ولم يرتجفraquo;، مضيفا أن صدام، 69 عاما، نطق بالشهادتين قبل أن يموت. وقال العسكري إن صدام الذي أعدم لدوره في قتل 148 رجلا وصبيا من قرية الدجيل الشيعية بعد محاولة فاشلة لاغتياله عام 1982، أعدم في الساعة السادسة وعشر دقائق صباحا بتوقيت العراق، (3:10 بتوقيت غرينتش)، وفقا لساعة موجودة في قاعدة عسكرية عراقية بالكاظمية (مقر دائرة الاستخبارات العسكرية). من جهة اخرى، قال العسكري ان مقر الاستخبارات هذا اختير لإعدامه laquo;ربما لكونه الموقع الذي كان ينفذ فيه حكم الاعدام بحق قيادات وكوادر مؤيدي الحركة الاسلامية، وخصوصا حزب الدعوة الذين كانوا يعذبون ويعدمون في هذا المكانraquo;.


(الحقد موجه سيء في السياسة) كلمة خالدة قالها (فلاديمير لينين) مؤسس الدولة السوفيتية قبل أكثر من تسعين سنة العام 1917..ويضيف التقرير وعلى لسان سامي العسكري ndash;مستشار نوري المالكي المقرب- حيث يذكر مانصه (وقال العسكري إن صدام اقتيد الى القاعة الصغيرة على أيدي ستة حراس مقنعين، وكان مرتديا سترة وسروالا أسودين وحذاء أسود. وكان مقيد اليدين والرجلين. وأضاف انه بعد ان دخل صدام القاعة أجلسوه في مقعد وقرأ عليه احد القضاة الحكم، لكن عندما شاهد الكاميرا تدخل لتسجيل الحدث بدا يردد عبارات كالتي كان يرددها في المحكمة مثل laquo;يحيى العراقraquo; وlaquo;عاشت فلسطينraquo;، وشعارات اخرى. وقال ان القيود الحديدية التي كانت تقيد يدي صدام من الامام عكس وضعها بحيث تقيد يديه خلف ظهره عندما اقتيد الى الاعدام. وقال العسكري ان زهاء 15 شخصا حضروا الإعدام من بينهم وزراء في الحكومة وأعضاء في البرلمان وأقارب للضحايا وممثلون للمحكمة ووزارة العدل. وأضاف انه لم يحضر الإعدام أي من رجال الدين، حيث لم يطلب صدام حضور أحدهم وانه لم تكن له طلبات اخيرة. وتابع ان الحضور ظلوا صامتين وهم يشاهدون، لكنهم تبادلوا التهاني بعد تأكيد موته.)


وأسأل حينما يكون الحارس مقنعا كما ورد أعلاه أليس هذا واحدا من شروط الإغتيال حيث يبقى الفاعل مجهولا وهو محتمي بدولة الإحتلال ومعها العملاء كذلك ويعطي القناعة بأنهم زمرة (مافيا ) لا أقل ولا أكثر؟!. ثم لماذا هذا الكذب الذي أنكشف سريعا حينما روجت الأفلام التي سربت من وقائع لحظات الإغتيال تلك والهتافات الطائفية الحاقدة التي حولت المشهد الى حالة ثأرية إنتقامية لحزب الدعوة الذي ينتمي إليه المالكي ولعناصر مقتدى الصدر الذي ردد بعض الحاضرين أسمه من خلال التسجيل الصوري والصوتي لحظات الإعدام!!.


ولقد ظهر جليا وواضحا مدى (شرف ونزاهة وعدالة ) بعض الطاقم القضائي الذي حاكم صدام ورفاقه حينما رأينا قسما منهم وهم يرقصون (إحتفالا) لحظات بعد الإغتيال،هذا إضافة للشبهات القوية مسبقا التى أحاطت بهؤلاء وظروف تعيينهم من قبل المحتلين وأتباعهم من (العراقيين)..وبدون الدخول موسعا في تفاصيل التهمة التي أغتيل فيها صدام بما أطلق عليه حادثة (الدجيل) عندما جرت محاولة إغتياله من قبل عناصر من حزب (الدعوة) العام 1982، فالمعلوم وطنيا بأن النظام السابق كانت له من الأخطاء والخطايا تجاه العراق والعراقيين مما توجب المحاسبة والمحاكمة على الخلفية الوطنية لا على الحقد الطائفي الخادم لآجندات حزبية ضيقة أم دولية وإقليمية!!.


وإذا ما عدنا لتقرير (الشرق الأوسط) المذكور ونطالع بقيته فيما يلي(من جانبه، روى موفق الربيعي عملية تنفيذ الاعدام قائلا إنها laquo;تمت بحضور قضاة ومدعين عامين وطبيب وشهودraquo;. وأوضح أن laquo;قوات التحالف جلبت صدام الى المنطقة وتسلمته القوات المسلحة العراقية وهو مقيدraquo;. وتابع ان صدام حسين laquo;أدخل بعد ذلك الى غرفة ومعه القاضي ومدع عام وطبيب وشهود.. وتليت لائحة الإدانة عليه وهو مقيد اليدين وممسك بقرآن كريم. وبعدها اقتيد الى غرفة المشنقةraquo;. وتحدث الربيعي عن laquo;بعض المشادات الكلامية قبل صعوده الى المشنقة لرفضه وضع كيس أسود على رأسهraquo;. ووصف الربيعي صدام حسين في تلك اللحظة بأنه laquo;كان ضعيفا جدا بشكل لا يصورraquo;.


وينقل التقرير فقرات طويلة من كلام الربيعي وأكاذيبه والصحيفة معذورة قطعا فكما يقال (ناقل الكفر ليس بكافر)،وليس لنا إلا أن نعود الى ما جاء من تقويم على لسان الحاكم الأمريكي (بول بريمر) كما روت ذلك صديقة بريمر في العراق وسكرتيرته العراقية ( وداد فرنسيس ) حيث قالت بالنص (وعن موفق الربيعي مستشار الامن القومي فأن بريمر يقول عنه انه كان طبيبا سيئا لان من صفات الاطباء الصدق وهو يكذب بالفطرة.. مراوغ ومتملق لعبد العزيز الحكيم ويرضى بفتات الموائد. وكان بريمر كثيرا ما يوبخه ويقول له انك اول من ينتقد واخر من يقدم على الاصلاح. يحاول ان يمنح نفسه دورا اكبر من دوره بالتحدث عن لسان السيستاني او لعب دور وساطة وهمية في المواقف الطارئة. ويمتلك بريمر اوراقا تثبت تورط الربيعي بعمليات اختلاس ربما سيترك امر اعلانها للزمن.)


ومن خلال ذلك التقرير( للشرق الأوسط) نلتقط كلمات الرئيس صدام حسين الأخيرة وهو على منصة الإعدام ndash;الإغتيال حيث قال كما ترويه الصحيفة كالآتي..((كما أعلن القاضي منير حداد الذي شاهد تنفيذ إعدام صدام حسين لوكالة الصحافة الفرنسية، أن laquo;صدام قال كلمة أخيرةraquo;، مطالبا العراقيين laquo;آمل أن تكونوا موحدين وأحذركم من الوثوق بالإيرانيين والمحتلين لأنهم خطرونraquo;. وأضاف أن صدام قال laquo;أنا لا أخشى أحداraquo;.))


في الماضي ولسنوات طويلة إبان حكم صدام أختلفنا معه ولم يكن الإختلاف إلا من أجل العراق وخدمة الشعب العراقي وحينما حدث الذي حدث في الكويت وما أعقبها من حرب ضروس شنها الأمريكان وحلفائهم على العراق من أجل إسترداد الكويت وتحقق ذلك في شباط/1991،أوجب الموقف الوطني علينا بأن أنادي وغيري من المعارضين الوطنيين بوجوب محاكمة صدام حسين عراقيا ووطنيا..ولربما كنت من أوائل من طالبوا بذلك حينما خصصت فقرة في محاضرتي التي نظمتها وألقيتها هنا في لندن يوم 7/6/1991 في (همرسميث تاون هول ) وقلت في تلك الفقرة وبالحرف الواحد بعد أن استعرضت مجريات إحتلال الكويت في 2/8/1990 ومن ثم الخروج منها والإنتفاضة التي حدثت في العراق أيام آذار 1991 وقلت فيما يخص المحاكمة ما يلي ((..هذا مختصر لأبرز وقائع الحقبة الماضية بفتراتها الأربع وحيث أن أحداثها يمكن فحصها وتدقيقها بالتفاصيل المتوفرة،لذا فأني أطالب الأخوة في المعارضة العراقية والعراقيين المختصين تشكيل لجنة سياسية قانونية عسكرية للبحث المفصل فيما تعرضت له من نقاط عامة تمهيدا لإعداد لائحة إتهام قانونية ضد رئيس الجمهورية العراقية الحالي صدام حسين وفقا للمواد العقابية الواردة في الدستور العراقي المؤقت الحالي أو في القوانين العقابية الأخرى في العراق..وتكون هذه اللائحة بعد إنجازها،الإطار القانوني لمحاسبة صدام وطغمته بإسم الشعب العراقي-مصدر الشرعية الوحيد في العراق-))


كان ذلك في الزمن البعيد جدا، الآن مضت مراحله بكل نكساتها وإنكساراتها ورحل عن دنيانا قبل عام من يومنا هذا الرئيس صدام حسين لا بالفعل الوطني العراقي وإنما بفعل أعداء العراق الدوليين والإقليميين ومحتليه وعملائهم وقد آن الأوان كي يسترد الوعي الوطني العراقي فعله ويتجه على طريق لم الشمل من أجل مواصلة النضال لإنهاء إحتلال العراق وقيام حكم عراقي وطني تقدمي يعيد الكرامة والسيادة للوطن كله وبتقديري فإن حزب البعث العربي الإشتراكي في العراق سيكون في المرحلة الحالية ركن أساس في هذا البناء الوطني العراقي الديمقراطي الى جانب سائر القوى الوطنية غير الملوثة مع الإحتلال وعملائه..


ويبقى طريق التضحية العراقي طويلا مادام هناك محتل أجنبي غاصب يدنس أرض العراق.. متحالفا مع جوقة الخونة المأجورين من أتباعه وأزلامه..

اسماعيل القادري

لنــدن في 30/12/2007

E-mail: [email protected]