قبل حوالي ثلاث سنوات من الآن وقبل ان تطرح فكرة ان يكون الاستاذ جلال الطلباني رئيسآ للعراق. كتبت مقالة أسمها quot; هل تسمعني أجب؟ quot; طالبت فيها ان يكون رئيس العراق القادم شخصية كردية من العراق. بل اني حددت ان يكون الاستاذ الطلباني هو رئيس العراق القادم، خاصة وان الاستاذ مسعود البرزاني كان قد قرر ان يكون رئيسآ لاقليم كردستان. ومثل ماتوقعت فقد اتصل بي وكتب لي الكثير من الاصدقاء و ايضآ الكثير من القراء بين مستغرب ومستنكر لموقفي العلني والواضح هذا. بل ان احدهم سالني سؤال واحد ومحدد هل انت كردي او عربي؟ وقلت له نصآ انا عراقي عربي. فصاح بي quot; الله واكبر quot; وكانت تلك الصيحة لاتحتاج الى تعقيب او توضيح أضافي، فالرجل وضعني في خانة quot; الخونة والعملاء للصهاينة quot; رغم اني لحد اللحظة وبعد ثلاث سنوات لااعرف ماهو الربط بين موقفي هذا وبين العمالة للصهاينة!!

لكني اعرف جيدآ طريقة تفكير البعض، وهذا البعض مع الاسف يشكل نسبة ساحقة من العرب وايضآ نسبة لايستهان بها من العراقيين. فهم يرون أن العراق أغلبيته السكانية عربية وأن رئيسه يجب ان يكون من العراقيين العرب وليس من اي قومية اخرى. وانا اتفق معهم حول الغالبية العربية. لكني لااتفق معهم اطلاقآ يجب ان يكون رئيسه عربي على وجه التحديد، لان في ذلك نوع من الاقصاء والتطرف ليس الى اقلية في البلد، بل الى ثاني اكبر قومية في العراق التي يشكلها اكراد العراق. وثم مثل هذه النظرة السطحية تعطي الانطباع وكأن اكراد العراق هم مواطنين من الدرجة الثانية، وهذا التصور المعيب والمخجل لايمكن ان يكون في خانة الوطنية او الانسانية او حتى القومية العربية الصحيحة. ففي العراق الجديد لايجب ان تكون خانات متعددة ومتفاوته بين كل العراقيين عرب واكراد وأفلية وشبك وتركمان وأشورين ومسيحين ومسلمين وصابئة وحتى يهود اذا وجدوا في العراق. فالنظرة الوطنية يجب ان تكون الى أنسانية الانسان نفسه وليس الى العناوين الاخرى. ومع ذلك يجب ان يكون الاحترام الى العنوان الكبير كعراقيين والى العناوين الاخرى كقوميات وطوائف بنفس المستوى والتقدير. لانه لايمكن أستيعاب فكرة quot; حب القومية العربية على حساب الوطنية العراقية!! quot; هذا أن حدث يؤشر الى خلل وطني ونزعة أقصائية غاية في الخطورة. فكيف يمكن اقصاء الاقرب quot; الوطنية quot; والمطالبة بالابعد quot; القومية quot;، ثم ان في العراق حقيقة يجب ان تكون واضحة ان ليس كل العراقيين من القومية العربية، ومن ينكر ذلك عليه ان يتقبل الحلول الاخرى والاستقلال عن العراق ليس ليس بعيدآ عنها. لقد دفع اكراد العراق أثمان باهضة طيلة عقود طويلة من الظلم الذي وقع عليهم. وهم اصحاب سابقة تاريخية أولى في تاريخ الشعوب والبلدان حيث يتم قصف شعب محليآ بالكمياوي.

تذكرت المقالة السابقة قبل ثلاث سنوات وكل هذه الاحداث مع تضارب الاخبار حول صحة الرئيس جلال الطلباني الذي يرقد في مستشفى في عمان، فشخصية ( فخامة الرئيس العراقي ) تستحق كل الاحترام والتقدير وتستحق كل القلق الذي يشعر به بعض العراقيين على حياة رئيسهم، الذي لم ياتي بليلة ظلماء او بدبابة تحتل القصر الجمهوري في ساعات الفجر الاولى، بل الرجل وصل الى منصبه عن طريق صندوق الانتخابات، وايضآ وصل عن طريق سجل شخصي طويل من النضال. قد يختلف البعض على مرحلة معينة في وقت معين من تاريخ الرئيس الطلباني، لكن هذا الاختلاف لايضيع حق وتاريخ الرجل ولايغير من قاعدة ثابته في العلوم السياسية quot; لاصديق دائم أو عدو دائم quot; و كل ذلك لايبخس حق التاريخ الطويل. والرئيس الطلباني اليوم يلعب دور في العراق في اقل وصف له quot; انه دور التوازن الوطني والسياسي في البلد quot; انه نفس الدور الذي افتقده العراق في بعض مراحل العهد الملكي في العشرينيات من القرن السابق. ولو توفر هذا الدور وهذه الشخصية في ذلك الوقت لكان حال العراق اليوم افضل بكثير من الوضع الذي نعيشه حاليآ. طبعآ مع الاخذ بنظر الاعتبار تغيرات مراكز القوة المحلية والدولية.

دعونا نحن العراقيين نفكر بطريقة أنسانية ووطنية صافية. ونتمنى لرئيسنا العودة بالسلامة التامة بعونه تعالى، وسوف لن نستقبله بالطبول والهتافات والاغاني رغم انه يستحق كل ذلك، لكننا اليوم نريد أن نبني بلد دستوريآ جديدآ وندفع ثمن لذلك دماء من أهلنا الطيبين كل يوم، فلندعوا له بالسلامة و نستقبله بمشاعر الموده والاحترام. ولنقل بصوت واضح ورسالة واضحة الى كل اشقائنا العرب. نعم نحن عرب عراقيين ورئيسنا كردي عراقي، وهذا يزيدنا فخر وتمسك اكثر بعروبتنا لكن ليس قبل حبنا لعراقيتنا التي نعتز بها. فمن لايحب عراقيته اولا لايمكن ان يحب عروبته ثانيآ. وهذه أهم حكمة من بقاء رئيس العراق كرديآ.

محمد الوادي

[email protected]