لاشك أن غزو العراق قد أتى على الأخضر واليابس في هذا البلد العربي وأصبح الوضع مأساوياً الى حد كبير وتقول العرب إذا عُرف السبب بطل العجب وهو قول صحيح، وحتى يعود العراق الى سابق عهده لابد من إنسحاب القوات الأجنبية حتى يتفكر العراقيون في أمورهم وتتصالح الطوائف فيما بينها.

من المعروف في عالم السياسة أينما وجد إحتلال وجدت مقاومة ولاندعي أن كل مايجري هناك مقاومة بل وإرهاب أيضاً حتى غدا العراق مأوى للإرهابيين وتربة خصبة لعدم الإستقرار وأصبح الوضع هناك بالغ التعقيد هذا بشهادة كبار المسئولين العراقيين وكبار الضباط في القوات الأمريكية وغيرها من قوات التحالف.

عنوان المقال أعلاه يعيد للأذهان الدعم العربي والغربي للعراق في حربها ضد إيران والتي إستمرت قرابة ثمان سنوات في ثمانينات القرن الماضي ولكن الغريب في الأمر ماجاء على لسان وزير الدفاع الأمريكي الجديد روبرت غيتس عندما زار المنطقة قال لابد من دعم العراق ضد التوسع الإيراني، وهنا نتساءل كيف سيكون هذا الدعم والعراق يعاني من الحرب الأهلية وعدم الإستقرار؟ وكأننا قد عدنا الى المربع الأول ودخلنا في حلقة مفرغة لانهاية لها إلا بإنسحاب القوات الغازية، والإلتزام بمبدأ عدم التدخل بالشئون الداخلية للدول.

بعد الفشل الأمريكي في العراق يحاول الرئيس بوش أن يسوق خطة جديدة سماها الإستراتيجية الأمريكية الجديدة في العراق وأرسل وزيرة الخارجية الأمريكية كوندا ليزا رايس الى المنطقة لحشد الدعم والتأييد لهذه الخطة التي يبدوا أنها طويلة المدى ولن تحقق الأمن للعراقيين لأنها تنافي حقائق التاريخ وحقوق الشعوب في النضال من أجل الإستقلال طالما أن هناك إحتلال وتدخلات إقليمية.

هذه الإستراتيجية تعتبر تحدياً لمشاعر الرأي العام الأمريكي الذي بدأ يعارض وجود القوات الأمريكية هناك ولكن المهم الآن هو ماذا سيكون رد فعل الشعب الأمريكي إذا أرسلت القوات الإضافية؟ وماذا سيكون رد الفعل العربي والإسلامي والرأي العـام العالمي؟ وهل ستحقق القوات الأمريكية الأمن في هذا البلد الذي يعاني من حرب أهلية طائفية؟.

عبر أحد أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي الذي عارض تلك الإستراتيجية في العراق لإرسال قرابة 21600 جندي أمريكي لتأمين الأمن في بغداد بالقول إنها ليست إستراتيجية وإنما هي لعبة بونج بونج وهو وصف دقيق للمتأمل في الحالة غير المستقرة هناك.

قالت السيناتورة هيلاري كلينتون وهي المرشحة لرئاسة الولايات المتحدة والتي دعمت الحرب على العراق منذ بداياتها ولكنها الآن تعترف بالخطأ وتقول إذا لم يسحب الرئيس بوش القوات الأمريكية من العراق فإنني سأعمل على سحب هذه القوات عندما أتولى رئاسة الولايات المتحدة في عام 2008م.

وقالت أيضاً لابد من إلغاء قانون إجتثاث البعث وهو إعتراف بفشل هذا القرار الذي أصدره الحاكم الأمريكي للعراق عند بدء الإحتلال بول بريمر وهنا نتساءل أيضاً هل سيعود البعث كقوة جديدة ومؤثرة في المنطقة؟ وهل سيعود لحكم البلاد التي حكمها طيلة نصف قرن من الزمان؟.
وجاء على لسان وزير الدفاع الأمريكي المشار إليه سابقاً بأنه ينوي نشر صواريخ باتريوت في المنطقة وهنا نتساءل لماذا؟ وأين؟ ومن سيدفع التكاليف؟ وهل تعتبر هذه فاتورة أمنية جديدة؟ ولماذا التصعيد مع إيران الآن؟، وكيف ستتصدى إيران لهذه المواقف؟ وهل يعتبر ذلك مقدمة لضرب إيران؟.

هل ستقبل إيران بقرار مجلس الأمن لإيقاف تخصيب اليورانيوم على أراضيها لتزويد المفاعلات النووية لأغراض الطاقة السلمية وخشية الدول الغربية والعربية من دخول إيران النادي النووي كما أعلن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ذلك، أما تصريحاته الأخرى التي أثارت الشكوك بشأن المحرقة اليهودية التي تعرض لها آلاف من اليهود على يد السلطات الألمانية في عهد النازي هتلر وهي حقيقة لاينكرها إلا مكابر.

المهم من كل ماسبق أن نعرف أن أمريكا لن تتواني أو تتردد في ضرب إيران إذا شعرت بالخطر الإيراني وتعاظم دوره والذي سيهدد مصالحها ومصالح دول المنطقة ولهذا ينبغي على القادة الإيرانيين أن يستوعبوا الدرس جيداً لتجنيب شعوب المنطقة حرباً شعواء تهلك الحرث والنسل وتعيث في الأرض فسادا وتدخل المنطقة حرباً كونية يعاد على إثرها إلغاء معاهدة سايس بيكو وتبدأ مرحلة جديدة لتقسيم المنطقة طبقاً للمصالح الأمريكية التي ترغب أن تحافظ على مصداقيتها وتستمر في كونها قوة عظمى.

لهذا يتوجب على قادة المنطقة أن يدركوا حجم المخاطر المحيقة بدولهم وشعوبهم وهم يدركون ذلك تماماً وعليهم أن يحافظوا على مكتسبات التنمية والبنى التحتية في دولهم ويجنبوا شعوبهم الحروب المدمرة لطاقات المنطقة وإمكاناتها والمستمرة والتي لن يخرج فيها منتصر ومهزوم بل الكل خاسرون وحتماً ستعود القوات الغازية أدراجها بحكم حتمية الجغرافيا والتاريخ وستبقى المنطقة لأبناءها ولكن لا أحد يعلم أو يتوقع متى ستنتهي المأسـاة.

المهم أن تدرك جميع شعوب المنطقة أنه لاطائل من هذه الحرب غير الخراب والدمار وأن تتجنب الغوغائية والعاطفية وتعمل مع قياداتها على إلغاء الطائفية سواء في العراق أو في غيرها من دول المنطقة لأن دعم طائفة على حساب طائفة أخرى سيأجج الصراع وتصبح حرباً بالوكالة بين الدول التي تدعم الطوائف والأعراق المختلفة لأن إيران ستدعم الطوائف التي تؤيد تدخلها وهناك دولاً أخرى ستدعم الطوائف المعارضة لهذا التدخل وبناء عليه فإن منطق الحرب لن يلغي الإقتتال بين الطوائف بل إنسحاب القوات الغازية سوف يلغيها.

إن الدول العربية لابد أن يكون لها دور حيوي وفاعل لإنهاء الحرب أو إيقافها لا أن تقوم بالدعم سواء كان عسكري أومادي أولوجستي لأن هذا الدعم سيكون له تأثير سلبي مباشر على جميع دول المنطقة وأكثرها تأثراً فلسطين وسوريا ولبنان والأردن.

ولهذا يتوجب على أمريكا أن تتبنى خطة لإعادة إنتشار قواتها في العراق وتفكر بجدية في كيفية خروج قواتها وقوات التحالف مع حفظ ماء الوجه وإشاعة الإستقرار إذا أرادت أن تستعيد دورها القيادي في العالم، وهناك حلولاً يمكن أن تجنب المنطقة ويلات الحرب بإحلال القوات العراقية وقوات عربية وإسلامية محلها ليستعيد العراق عافيته ويصبح ضمن منظومة الأمم المتحدة التي يجب أن تهدف الى إستقرار السلم العالمي.

وخلاصة القول أنه لن تنتهي الحرب إلا بزوال أسبابها وإنسحاب القوات الغازية وإتفاق الطوائف على تشكيل وحدة وطنية دون تدخلات أجنبية.


مصطفى الغريب