إن مفهوم المستقل أقصد به، الشخص الذي ليس له أي انتماء حزبي أو ولاء سياسي بشكل رسمي إلى حزب معين أو جهة سياسية معينة. ان المستقلين هم مواطنون لهم آراؤهم وتوجهاتهم الفكرية الخاصة بهم، وهم في الغالب اناس مخلصون و وطنيون يأملون العيش الأمن في ظل دولة متحضرة يسودها القانون في ظل دستور وطني دائم وعادل.


كما هو معروف في معظم المجتمعات، أكثرية المواطنين فيها هم من الفئة المستقلة، وان الأحزاب السياسية و الجهات والتنظيمات غير الحكومية هي التي تقوم بتعبئة الجماهير تجاه الأحداث في البلدان التي يشكل فيها المستقلون القسم لأكبر.


إذ نجد الفئة المستقلة من المواطنين في المجتمعات المتحضرة ذات نظام سياسي ديمقراطي تقوم بتنظيم نفسها من خلال النقابات والجمعيات وبقية مؤسسات المجتمع المدني بشكل حر وفعال.


في حين نجدها صامتة ومهمشة في الأنظمة الدكتاتورية والاستبدادية، لعدم منحها الفرصة المناسبة للتعبير عن نفسها ومصالحها من خلال مؤسسات غير حكومية أو غياب مثل هذه المؤسسات المدنية غير الحكومية، وان وجدت فهي في معظم الأحيان تكون مؤسسات شكلية وكارتونية وتحت سيطرة أجهزة النظام الحاكم.
ومن أولى مهامها تجميل الوجه القبيح للنظام الدكتاتوري الحاكم، مثله مثل النظام الاستبدادي البائد في العراق، حيث ألحق بالمواطن العراقي المستقل بشكل خاص الكثير من الغبن والظلم والحيف والتمييز، وفي كافة المجالات، لان معظم الامتيازات والمكاسب كانت من حصة منتسبي حزب السلطة، منها فرص العمل المناسب، والترقية الوظيفية والايفادات والحصول على قطعة أرض سكنية..الخ، إضافة إلى جملة أخرى من الامتيازات الخاصة كانت تمنح إلى من هم بدرجة عضو أو فما فوق في صفوف الحزب الحاكم.
في حين كان المواطن العادي يشقى كثيرا في الحصول على الحد الأدنى من هذه الحقوق المشروعة، كان يتعامل معه وكأنه مواطن من الدرجة الثانية لا يستحق مثل هذه الحقوق.


ومن المؤسف حقا أن يكون اليوم حال المواطن بشكل عام والمواطن المستقل بشكل خاص ليس أحسن بكثير من السابق، إن لم يكن أحياناَ أسوأ مما كان عليه أبان النظام السابق، حيث في السابق كان للمواطن المستقل منافس واحد ومعروف وهو كل من كان عضواً أو منتميا إلى حزب السلطة.


واليوم وبعد إطلاق الحريات السياسية، أصبح في السلطة والحكومة العديد من الأحزاب والجهات السياسية والفئات والطوائف التي أصبحت ذات نفوذ وذات قدرة على اتخاذ القرار، وبدأت هذه الجهات وللأسف الشديد من خلال وجودها في الحكومة، بمنح الامتيازات والفرص على أساس الانتماءات السياسية و الولاءات الحزبية والطائفية الضيقة، وعلى أساس المصلحة الفردية، ضاربين بعرض الحائط حق المواطن ومبدأ تكافؤ الفرص، مستغلين ضعف الحكومة و فوضى الإرهاب في البلد، حارمين المواطنين المستقلين من حقهم المشروع في العيش الكريم والعمل المثابر وحرية التعبير.


لا أنكر وجود وتأسيس المئات من النقابات ومؤسسات المجتمع المدني، إلا إن معظمها مازالت مشلولة وضعيفة الأداء وغير واضحة الاتجاه وليس لها تمويل ذاتي ومستقل، حيث معظمها يتم تمويلها من قبل الحكومة.


لذلك فهي عاجزة عن استيعاب واحتواء واستثمار طاقات الأغلبية المستقلة، والتي مازال يُنظرُ أليها بعين الريبة والشك، أليس من سخرية القدر أن نجد المواطن المستقل هذا اليوم في العراق وبعد مرور أكثر من أربع سنوات على سقوط النظام الدكتاتوري البائد، ينافسه في حقوقه المشروعة كل من كان منتميا إلى حزب من أحزاب السلطة وما أكثرها هذه الأيام، ليجد نفسه في دوامة هذه المعادلة السياسية الجديدة والفوضى السائدة في البلاد، الحلقة الأضعف رغم تضحياته الكبيرة؟


إذ كانت هذه الفئة المغبونة تعامل كفئة من الدرجة الثانية في ظل النظام السابق عندما كان ينافسها منتسبو حزب السلطة الأوحد، في أي ترتيب أو درجة تدرج اليوم حيث ينافسها وبشكل غير مشروع منتسبو العشرات من الأحزاب والجهات السياسية في الحكومة وجميعهم ذوو سلطة ونفوذ؟ متى ومن سينصف هذه الفئة الشريفة والوطنية في البلاد ومتى سيتم الالتفات إليها وإنصافها من الغبن و الحرمان؟

روند بولص
[email protected]