من ضمن مفارقات المرحلة الحالية في عراق اليوم، أن يكون النسب العشائري/ القبلي معيارا للمواطنة، والإنتماء للعراق. وكأن العراق بلد حديث النشأة والتكوين لا يتعدى عمره بضع سنوات.
لقد تكرر مثل هذا الأمر على الملأ من خلال شاشات الفضائيات العربية، وفي سياق السجالات بين مؤيدي العملية السياسية في العراق ورافضيها بصورة عامة، أو في سياق التناحر والإصطفاف الطائفي (الإعلامي خاصة). فكم من مرة يتهم أحد أطراف الحوارات السياسية والفكرية أحيانا زميله أو نظيره بأنه ليس عراقيا، طاعنا بالدرجة الأولى في نسبه العشائري؟؟


ومثل هذا الأمر بدأ مع السياسيين وخاصة بعض أقطاب المعارضة للنظام السابق. وهو ما جعل الكثير منهم يضيف اللقب العشائري أو القبلي إلى إسمه، والبعض يسارع في مناسبة أو أخرى إلى تأكيد نسبه وتحديد انتمائه القبلي (العربي).


ومثل هذه الأمور قد أثارت أو عززت مسالة جديدة من الاستقطاب يضاف إلى الاستقطاب الاثني والطائفي، وهو الاستقطاب العشائري أو القبلي. فبات الكثير يراهن على هذا النوع من النسب، وباتت العديد من العشائر والقبائل تؤهل عناصر منها للمنافسة على المناصب، بل سعت بعض القبائل والعشائر الكبيرة التي تهيمن على بلدات ومدن صغيرة بعملية محاصصة للمناصب بين مرشحيها.
إن هذا الموضوع لا يشكل معطى اجتماعيا كبيرا بقدر ما يعكس حالة من التدافع السياسي، الذي يوظف أساليب غير متحضرة في الصراع والمنافسة.


إن المعايير الحديثة للمواطنة تقتضي النظر إلى مؤهلات الشخص أولا، والى أفعاله دون النظر إلى نسبه أو خلفيته الطائفية والمذهبية والاجتماعية. وهكذا أسست وتؤسس الدول الغربية كما نرى اليوم مواطنتها على مبادئ الانتماء للوطن والإخلاص له بالدرجة الأولى، خاصة تلك التي استقطبت الكثير من المهاجرين من ثقافات وبلدان مختلفة، دون الأخذ بعين الاعتبار أن يكون هذا المواطن من أي بلد قدم وماهو انتماؤه. يستطيع المواطن من ذوي أصول مهاجرة أو قد يكون هو نفسه قد قدم قبل بضع سنوات، أن ينافس على أعلى المناصب في هذه البلدان دون تمييز في اغلب الأحيان وعلى الأقل أمام القانون، فهو مواطن بمجرد اكتسابه الجنسية حاله حال أبناء البلد الأصليين، ولا معيار للمفاضلة سوى سيرته وولاءه وبرنامجه السياسي.


إن العراق بلد يتكون من أعراق واديان ومذاهب متعددة، وهو ملتقى لحضارات عديدة على أمد التاريخ، وقد ساهمت جميع هذه المكونات في بنائه، ولا ينبغي النظر إلى النسب القبلي إشارة إلى الانتماء العربي حصرا معيارا للمواطنة. بل يجب على كل حريص على وحدة هذا البلد ولم شمل أبنائه أن يتخلى عن هذه النظرة المتخلفة وهذه المزايدة في العمل السياسي وان ينتبه إلى المعايير الحديثة المشار إليها، معتبرا بما وصلت إليه الأمم المتطورة. وعليه أن يتذكر أن الإسلام أول من نهى عن أن يكون النسب معيارا للمفاضلة من خلال الحديث الشريف quot;لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوىquot;، وفي حديث آخر quot;لا فرق بين ابيض واسود الا بالتقوىquot;، إضافة إلى العديد من الآيات والأحاديث الأخرى التي تصب في ذات الاتجاه.

د. حميد الهاشمي
www.al-hashimi.blog.com