إلى متى؟


الاختراق الممكن هو في إيجاد حل نهائي للقضية الفلسطينية


بين الرأسمال والسياسة في المشروع الغربي عموما مسافة أسمها الربح، وبين السياسة وحقوق الإنسان مسافة لا يمكن قطعها في ظل المشروع الغربي نفسه وتبقى السياسة في جانب من جوانبها وكأنها حالة توسط بين الرأسمال وشرعة حقوق الإنسان. لهذا تبقى الأدوات السياسية قاصرة في ردم هذه الهوة! ولهذا أيضا تبقى مشروعية نشوء وقيام منظمات حقوق الإنسان في المجتمعات الغربية والتنظيمات المدنية من نقابات ومنظمات مهنية تعنى بحقوق أفرادها و تعنى أيضا بحقوق الشعوب الأخرى كمنظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش الأمريكية..الخ. هذه المنظمات تجد مشروعيتها الأكيدة في عدم ردم الهوة بين السياسة وشرعة حقوق الإنسان لا على المستوى الداخلي في مجتمعات الغرب ولا على المستوى الدولي في علاقة حكومات الغرب بشعوب العالم. والفارق بين الوضع في الغرب وعندنا: أن الغرب تشكل لديه إنسان له حقوقه وعليه واجبات ومحمي من الدستور والدولة وأجهزة القوة فيها، ولكن عندنا لم يتشكل هذا الإنسان بعد وإن كان في طور التشكل الآن في بعض المجتمعات العربية، ولهذا بالضبط يشكل المجتمع الغربي نموذج عمل تاريخي تسعى القوى المعارضة على المستوى الديمقراطي لكي تقلده وهذه سنة من سنن التاريخ وبحث خلدوني بامتياز ـ نسبة لابن خلدون ـ. كما أنه لولا وجود مثل هذه التنظيمات التي تعبر عن وجود مثل هذا الإنسان ماكان لنا نحن العرب أن نعرف عن غوانتانامو ولا عما حدث في سجن أبو غريب في الحقيقة. فالإنسان الغربي الذي تحدثنا عنه:
هو من بنى غوانتانامو وهو من فضحه. وهذه الجدلية هي محايث تاريخي لوجود الإنسان المعاصر. بالطبع الإنسان مفهوم ولد بفعل عوامل كثيرة ولكن منها التأسيس لثقافة نبذ العنف في تلك المجتمعات الوليدة آنذاك. ومن النافل القول الآن وفي هذا الزمن أن ثقافة حقوق الإنسان ومؤسساتها إنما ترعاها مراكز قوى في هذه المجتمعات. وليست عبارة عن مجهود فردي لموضة تنتشر كما هي الحال عندنا. والحديث عن حقوق الإنسان في هذا السياق ربما يبدو بعيدا قليلا عن عنوان مقالنا هذا في نظر بعضهم، لكنه بالنسبة لنا يعتبر الأمر الجوهري الذي يشكل بالنسبة لنا الدافع الفعلي للحديث عن السياسة الأمريكية وخصوصا بعد قيام حملة دولية في عدة عواصم من إجل إغلاق سجن غوانتانامو والرسالة التي وجهتها منظمة العفو الدولية من أجل كشف كل ملابسات هذا المعتقل. والآن بعد أن طرح الرئيس بوش استراتيجيته الجديدة ومجيء وزيرة خارجيته إلى المنطقة من أجل تحريك عملية السلام المتعثرة، وتمخض عن زيارتها وجولتها الأوروبية الإعلان عن عقد اجتماع عاجل للجنة الرباعية، كما اقترحت حلا مؤقتا أسمته الدولة المؤقتة للفلسطينين.
إن الحضور العسكري الأمريكي كان يمكن له أن يتحول إلى مشروع هيمنة! ويأخذ مشروعيته من نجاح النموذج العراقي كنموذج محايث لثقافة حقوق الإنسان ومبادئها، أو حتى الاستفادة من هذا الحضور من أجل قضيتين كان لابد لأمريكا من التعامل معهما بغير هذه الطريقة التي اقترح تسميتها ( رامسفلدية ـ نسبة لوزير الدفاع الأمريكي السابق ) وهما:
تحقيق اختراق حقيقي على الأرض في حل النزاع العربي الإسرائيلي وتصعيد الدور الرمزي لأمريكا في ذهن المواطن العربي من أنها فعلا تريد عدلا ما! للقضية الفلسطينية؟
والثانية خلق تواشجات جدية مع المجتمعات العربية وليس مع سلطاتها فقط ولديها الآن فرصة من خلال دعم الحكومة اللبنانية كحكومة شرعية ومنتخبة دستوريا، والمساعدة في إقرار قانون المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الشهيد رفيق الحريري وبقية شهداء لبنان ولحماية بقية اللبنانيين أيضا. وللتدليل على هذا الأمر مرة أخرى:
أن أمريكا بالنسبة للمجتمع اليهودي في إسرائيل تجد عمق هيمنتها في هذا المجتمع، ولا تستطيع قوة سياسية إسرائيلية أن تخلخل هذه العلاقة إن هي أرادت ذلك! ولكن هذا مرهون بما تقدمه أمريكا لإسرائيل وما يعرفه المواطن الإسرائيلي جيدا.
وبالعودة إلى استراتيجية بوش الجديدة نجد أن الإدارة الأمريكية قد خلصت بنتيجة مأساوية من الوضع العراقي ذات شقين: الأول يتعلق بأنها أعطت إجابة بأنه لايمكنها تجاوز دور الإسلام السياسي سواء الذي كان الآن في السلطة العراقية أو الذي في المعارضة أو ( المقاومة / الإرهاب ) وهو في الواقع وإن كان له هذا العمق الجماهيري فهو العمق الثقافي الأكثر تخلفا وبربرية في الواقع العربي والشرق أوسطي.
والمتتبع لوضع المرأة العراقية الآن في العراق سيجد مثالا مهما على هذا المخزون للأحزاب الحاكمة، وهنا فقط أخذت مثالا من مقال للكتابة فخرية صالح تدافع فيه عن المناضلة الحقوقية صفية السهيل (عندما غضب رئيس البرلمان العراقي الدكتور المشهداني الذي يفتخر بسلفيته... غضب وصرخ بكلمته المشهورة (بالقندرة) ردا على اعتراض النائبة السيدة صفية السهيل بخصوص حقوق المرأة في الدستورالجديد، ولم يعتذر لحد الان وقال فقط في الكواليس نعم أنا اخطأت ) ـ هذا رئيس البرلمان العراقي الحالي ـ بالقندرة يريد التعامل مع حقوق النساء العراقيات! أما عند غالبية الأطراف السنية فحدث ولاحرج! إذا كان قدوتهم صدام حسين!
كيف يمكن للإدارة الأمريكية أن تقتنع بأن هنالك خلاف بين حركة حماس وحزب الله ـ لكونها تعتبرهما إرهابيين ـ مثلا وبين أحزاب الإئتلاف الشيعي الحاكم؟ هذا تناقض بين وواضح لا بد له من حل وإلا فإن استراتيجية بوش مكتوب لها الفشل سلفا. وهذا الأمر ينطبق على بعض النخب العربية ولكن معكوسا! والشق الثاني:أنها جعلت من النظامين الإيراني والسوري أحد مفاتيح الحل لمأزقها في العراق. ولكن أي حل يقبل به التحالف الإيراني السوري لا يمكن لأمريكا أن تقبل به وإلا خرجت من العراق خاسرة بطريقة غير مشرفة. ولكي لانبقى في هذه النقطة نقول هل حاولت هذه القوى الحاكمة في العراق البدء في إقامة علاقة صحيحية مع الشارع العراقي غير الشيعي؟ ولكن من أين لها أن تقيم مثل هذه العلاقات إذا كان مخزونها اللفظي ورأسمالها الذي تحشد عليه وتستثمره هو رأسمال شقاقي تماما كرأسمال القوى الإرهابية في العراق. لا أعرف حتى هذه اللحظة ما علاقة السيد آية الله السيستاني بأن تأخذ أحزاب ناجحة في الانتخابات رأيه في كل شاردة وواردة؟ وبات في الشكل العملي شبيها لخامنئي في إيران. ونحن ربما ننتظر قيام شكل أكثر قانونية من أشكال ولاية الفقيه في العراق لكونه قائم عمليا! وهل أمريكا تمارس هذا التواطئ لأن السيد السيستاني مهد بفتاويه لدخول القوات الأمريكية إلى العراق! وهذا الأمر الذي يعد الفخ الحقيقي الذي وقعت فيه أمريكا! لأنها فتاوى من طابع تكتيكي ليس أكثر! هذه أسئلة على إدارة بوش الإجابة عنها. وكما ذكرنا منذ زمن ليس بعيد: أن من يتحمل بشكل أساس فشل النموذج العراقي بعد الأمريكان هو الطبقة السياسية التي تسلمت عمليا مقاليد الأمور في كل العراق! أما ما يسمى بالإرهاب فسيبقى قوى خارجة عن القانون.
وإلا هل يفسر لنا أحدا ماهذا الود بين الرئيس العراقي مم جلال وبين القيادة الإيرانية ومن ثم الآن السورية؟ ربما كما يقول بعضهم أنه يخوض حوارا معهم بدلا من الأمريكان ونحن نستبعد هذا الأمر كليا. لأن لمم جلال حساباته التي تصب في النهاية ليس بكونه رئيسا لكل العراقيين بل التي تصب في موقعه داخل كردستان العراق!
نحن ندرك مأزق أمريكا مع و في حلفائها في الحقيقة والذين هم حلفاء الفساد الثقافي الذي خلفته خلفها نظم المنطقة ولم تعرف أمريكا كيف تتعامل معه. ونحن ندرك في كل ما نقول في النهاية أن من ينقذ الشعب العراقي من جديد هي أمريكا! ولكن إلى متى ستبقى عدوة نفسها هذا في الواقع ما لانعرفه بعد؟ إنها الهوة بين السياسة وحقوق الإنسان..ربما؟

غسان المفلح