لا وجه للمقارنة بين جريمة اغتصاب الفتاة العراقية (عبير الجنابي ) من قبل جنود الأمريكان، وبين إغتصاب المرأة العراقية ( صابرين الجنابي ) من قبل جنود نظام الطوائف في العراق.

فالجريمة الأولى إرتكبها جنود إحتلال أجنبي تربوا في كنف مجتمع متفسخ منحل أخلاقيا وإجتماعيا، يتصف أفرادها بالعنجهية وتمجيد القوة والتعامل مع الشعوب الاخرى بمنطق الكاوبوي الوقح الذي يحمل دبل مسدسات ليمارس القتل من أجل القتل، فيما الجريمة الثانية أبطالها جنود في قوات تابعة لحكومة تدعي الوطنية حاول أقطابها قبل فترة أن تدرج الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي في الدستور لحكم البلاد، ويعتبرون السلطة الواقعة بأيديهم، هبة إلهية ممنوحة لهم من السماء!!.

وإرتكاب الجرائم الجنسية ( الإغتصاب والتحرش والإعتداء الجسدي) أمر مألوف في المجتمع الأمريكي التي تشير الأحصاءات الرسمية الى وقوع جريمة في كل ثانية فيها. أما في المجتمعات الإسلامية المحافظة فتعتبر مثل هذه الجرائم حدثا جللا، خصوصا عندما تندرج في إطار الصراعات السياسية أو الطائفية هدفها التطهير العرقي أو المذهبي. وهناك حالات عديدة في هذا المجال مثلما حصل للمسلمات في البوسنة على أيدي القوات الفاشية الصربية، وما يحدث في دارفور ومناطق أخرى من العالم المبتلية بالصراعات الإثنية أو السياسية.
ويلعب الرادع الديني في المجتمعات المحافظة، خاصة في المجتمع الإسلامي دورا كبيرا وفاعلا في كبح حدوث تلك الجرائم، حيث ينص القران الكريم على الكثير من النواهي والعقوبات بحق مرتكبيها، مما يقلل من نسبها في تلك المجتمعات.


وما جرى للمرأة العراقية صابرين الجنابي التي أثارت قضيتها الرأي العام العراقي والعربي، قد لا تكون الجريمة الأولى التي ترتكب في ظل الصراع الطائفي البغيض المتحكم بعراق اليوم، فقد تكون في زوايا الكثير من بيوت العراقيين قصص لجرائم مماثلة قد تكون أروع من جريمة قوات ( حفظ النظام؟؟!!) بقيت طي الكتمان، فقد أشارت منظمة العفو الدولية الى تلك الحالات في تقاريرها و دعت السلطات العراقية مرارا الى التحقيق في جميع عمليات الإغتصاب للنساء في العراق التي قالت أنها تحصل بشكل يومي. ومن خلال قراءتنا للوضع السياسي المسخ السائد في العراق منذ سقوط النظام السابق، لا نعدم إرتكاب جرائم إغتصاب يومية من قبل مسؤولي الدولة لسكرتيراتهم أو موظفاتهم من خلال إستغلال النفوذ أو المناصب لإغوائهن سواء بتوزيع الأموال التي هي عادة من أموال الدولة أو بعرض الإمتيازات والمراكز،وتلك عادة مالوفة ومتوارثة منذ زمن الدكتاتورية الصدامية.


عندما تستباح دماء العراقيين في ظل التقاتل الطائفي البغيض، ويقع عشرات الضحايا كل يوم في شوارع وأزقة بغداد، ما الذي يمنع إستباحة أعراضهم طالما أن الهدف واحد في الحالتين وهو إشفاء الغليل الطائفي الذي تغلغل الى مسامات جلد الحكام الحاليين للبلد، ووصلت الى حد الإنحدار الى العائلة العراقية. فقد سمعنا الكثير عن ضغوطات تتعرض لها عوائل مختلطة بحكم الزواج ( سنة وشيعة) لتغيير الإنتماءات الطائفية تحت طائلة التفريق بين المرء وزوجه، أو التهديد بالقتل في مجتمع تحكمه تقاليد عشائرية وطائفية منغلقة.
هذا هو الحال في كل صراع بين فريقين يصل الى حد العظم مثل الصراع المذهبي الحالي بين السنة والشيعة في العراق، وقد عشنا في كردستان حالة مماثلة في ظل الصراع الحزبي المحتدم بين الحزبين الرئيسيين ( الديمقراطي الكردستاني والإتحاد الوطني الكردستاني) أثناء سنوات الإقتتال الأخوي 1994-1998 حيث إنحدر ذلك الصراع الحزبي الضيق الى الحضيض ووصل الى داخل العائلة الكردية المعروفة بتماسكها وتآلفها، حيث إنفرط عقد العديد من العوائل الكردية بسبب الولاءات الحزبية البغيضة.

مهما حاولت حكومة المالكي نفي وقوع جريمة الإغتصاب وتبرئة القائمين بـ ( تكريم الضباط الشرفاء!! ) وإتهام المرأة بـ( التشويش على خطة أمن بغداد) وتعليق كل إخفاقات وأخطاء طائفته على شماعة ( إتهامات باطلة) لقوات حفظ النظام، فإن الجريمة إذا ثبتت تندرج في خانة الصراع الطائفي الذي دشنه سلفه إبراهيم الجعفري بعد إستهداف مرقد الإمامين العسكريين، ويكمله المالكي اليوم بجدارة وإمتياز.


بالأمس عبير الجنابي واليوم صابرين الجنابي، فهل نعذر عشيرة الجنابي إذا ما إصطفت بمجملها الى جانب الإرهابيين الذين يجندون مثل هذه القضايا لصالح خطابهم السياسي ونشاطهم الإجرامي في العراق، وقد قال الشاعر العربي:

( لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم).

نحن بإنتظار ما ستسفر عنه التحقيقات التي أمر بها الرئيس طالباني في قضية إغتصاب المرأة العراقية صابرين الجنابي والتي نأمل أن لا تخضع لإعتبارات سياسية أو صفقات توافقية من قبل من إغتصبوا العراق. وعلى حكومة المالكي أن تضع نصب عينيها الحكم الصادر عن المحكمة الأمريكية بحق الجندي المتهم بإغتصاب عبير الجنابي والذي يبلغ 100 عام سجن، وهي تكرم وحوش الطائفة الذين إغتصبوا صابرين الجنابي وتصفهم بـ( الضباط الشرفاء)؟!!

شيرزاد شيخاني

[email protected]