فى زمن شبيه بهذا الزمن الذى نعيشه فى بلادنا العربية عاش الغرب أيضا منذ ستة قرون. فى تلك الأيام وقف العالم جالليو أمام محكمة الأزهر بتاعة بره، وبعدها أمام جنح محرم بك، آسف أقصد أمام محكمة التفتيش الكنسية وعندها تحسس رقبته وهو يقول أن الأرض لا تدور حول الشمس وأنه مخطىء ونادم على ما قاله فى ذلك الشأن. وعندما برأته المحكمة بعد أن تاب وأناب همس وهو ينصرف quot;ولكنها تدورquot;... فكلامه على الوجهين لم يكن ليغير فى الواقع شيئا.

لماذا ياكريم يابنى لم تتب وتنوب أمام هؤلاء الضباع الذين حاكموك؟ لماذا لم تتبنى التقية أو تلبس الطاقية وتصرخ بأعلى صوتك بأنك مسلم قح وبأن quot;لا إله إلا الله، وأن محمد رسول اللهquot;؟ لماذا لم تدع الإستفاقة وتقول أنك قد خدعت من جانب فئة ما مثل quot;أقباط المهجرquot; مثلا وأنك الآن فقط إكتشفت أنك quot;كنت أعمى والآن تبصرquot;!؟ لماذا يابنى لم توجه شتما لسعد الدين إبراهيم والمهندس عدلى أبادير وغيرهم وتقول أنهم خدعوك وأزاغوك عن دينك، وانك تتراجع عما دونته من أن الإسلام قد إنتشر بالسيف وان مبارك حاكم من عند الله!؟ لماذا لم تقل لهم ذلك بعلو صوتك!؟ وعندما تحصل على البراءة والتكريم لأنك كنت مضللا وأستفقت، عندما تحصل على مقعدك الدراسى الذى فقدته وعلى الشهرة واللقاءات الفضائية والأموال لقاء سب هذا وشتم ذاك، وعندما تعرض عليك الفضائيات أن تحكى تجربتك وتستغل قلمك فى الدعوة... عندما يتم لك كل هذا، كنت تستطيع وأنت تستدير منصرفا أن تهمس بما تؤمن به حقيقة...!

أيمن العكازى هو القاضى الذى حاكمك وحكم عليك ياكريم. القاضى معذور ياكريم فلا تلومنه، بل أظن انه كان رقيقا معك... أنا أعرف إثنين من المستشارين الأفاضل علما وخلقا أيام شبابى وكان لقبهم quot;العكازىquot; ولأحدهم مؤلف قانونى أو ربما أكثر. ولا شك أن قاضيك هو إبن أحدهم، فجميع المستشارين الذين أعرفهم صار أبناؤهم جميعا ndash; إن كان لهم أبناء- وكلاء نيابة وقضاة! حتى أن المستشار الجندى الذى حكم عليه فى قضية رشوة كان له إبنين والإثنين وكلاء نيابة وكانا يحضران محاكمته!؟ لا تزعلوا يافقراء مصر من القضاة الذين يعينون أبنائهم بالواسطة وكلاء نيابة وقضاة إفتئاتا على حقوقكم، أولى بكم أن تغضبوا من أساتذة الجامعات ورؤساء التليفزيون والإعلاميين والدبلوماسيين وكبارالأطباء وجميع المتنفذين فى مصر...

آه... من الذى نلوم على ضياع مصرنا وإنحدار إعلامها وتعليمها وقضاتها ومثقفيها؟ من الذى نلومه على الهاوية التى تسقط فيها مصر بقضها وقضيضها والتى كلما ظننا أنا وصلنا للقرار ننحدر أكثر وأكثر؟ كتبت منذ أعوام أن القاضى الذى يتقاضى عشرة آلاف جنيه راتب شهرى ndash; فى المتوسط- لأننى أعرف أن راتب المستشار بدون اية إنتدابات ولا مجاملات من جانب الدولة وهيئاتها هو خمسة عشر ألف جنيه شهريا، عندما يتقاضى القاضى عشرة آلاف جنيه راتب شهرى وهو لا يزرع ولا يقلع ولا يصنع، عندما يتقاضى القاضى مثل هذا المبلغ من عرق العامل والفلاح والتاجر المصرى بدون أن يستكثره، فهل نظن أن ضميره لازال متيقطا متوهجا لإقامة العدل؟

عندما يحصل القاضى على أراض متميزة بسموحة فى الأسكندرية والساحل الشمالى والكنج مريوط وغيرها كثير بأسعار رمزية تكاد تقترب من العدم ويثرى القاضى من جراء تلك المنحة ثراء فاحشا بدون أى عمل من جانبه إلا صفته كقاضى فهل لانزال نؤمن بحيادية وطهارة القاضى؟ عندما يعين القضاة أولادهم وحاليا أيضا بناتهم فى السلك القضائى ليغترفوا من مميزاته، وعندما يساهمون فى حجب تلك المراكز ndash;ولا أقول الوظائف فالقضاء مركز وليس وظيفة-، عندما يحجبون تلك المراكز عن باقى المصريين فإلى أى مدى نعول عليهم فى إقامة العدل! ولماذا لا يبدأون بأنفسهم ويقيموا الميزان!؟

يقول نجيب سرورو ndash; بتصرف شديد فى الكلمات-:
quot;قاضىquot; سيادتك.. وماله بس دبَّرني
تدابير تخش الدماغ مش طَظَّه تقلب طُظ
لما القضا وسـيَّه تسـاع ولا تسـعنى..
دا يبقى quot;واسطة ووراثةquot;، ولا يبقى حظ؟!

عادل حزين
نيويورك