لم يکن إعتباطا أو مجرد صدفة إعتيادية أن تختار المجلة الفرنسية الشهيرةquot;شالانکquot;الدکتور فيصل القاسم من ضمن 20 شخصية هي الاکثر تأثيرا في الاعلام العالمي، وقد سبق للقاسم وان نال مرتبات مشابهة لسنين خلت من قبيل کونه واحد من أهم 50 شخصية مهمة في العالم، وهذه الحظوة الجديدة التي نالها هذا الاعلامي المثير للجدل، سوف تکون عقبة کأداء أخرى أمام مناوئيه وquot;مبغضيهquot; المختلفين وعلى شتى الاصعدة، وهي تؤکد من جديد قوة حضور القاسم ليس على الصعيد العربي وإنما العالمي وبروح تنافسية آخذة في تصاعد مظطرد، إذ بات فيصل القاسم في مصاف شخصيات ذائعة الصيت مثلquot;جورج سوروسquot;المکنى بإمبراطور الاعلام الاسترالي و quot;روبرت مردوکquot;المراسل الامريکي المشهور و کذلک الکاتب الامريکي الاشهر من نار على علمquot;توماس فريدمانquot;، بالاضافة الى اسماء اخرى لامعة يبدو ان الدکتور القاسم قد يتمکن بسهولة من إجتياز العديد منها وسرقة بريقها کبروميثيوس عربي قادم من بلاد الصحراء. هذه الشهرة التي نالها القاسم هي جديرة بالدراسة و التمحيص قبل التجني عليها و التشکيک بها کما هو حال العرف السائدquot;وببالغ الاسفquot; في الاوساط الثقافية و الاعلامية في المنطقة.
لقد حقق هذا الرجل قفزة نوعية في عکس صورة الشخصية الاعلامية کما يجب أن تکون، و قد حقق مجده و بنى تأريخه هذا إعتمادا على کفاءته و إمکانياته الذاتية وليس علىquot;علاقات سابقة بقادة و زعماءquot;أو عن طرق أخرى تصب جلها في قناة خدمة بلاطات الحکم، کما إنه لم يکن من ضمن دائرة إعلاميي quot;النخبةquot; المنتقاة لأسباب عديدة، القاسم أثبت جدارته بحق وصار اسما لامعا بحيث يشار إليه بالبنان العالمي وهو أمر جدير بالمتابعة و التمحيص.
و هنا لابد من الاشارة الى ذلک الکم الهائل من المقالات و حتى الدراسات المختلفة التي کتبت بصدد إنتهاء القاسم و إختفاء بريق برنامجه الناجحquot;الاتجاه المعاکسquot; والتي لم تکن کلها في النتيجة إلا هواء في شبک، ولعمري لم أجد وللأسف في المنطقة کاتبا واحدا يجرؤ ولو لمرة واحدة أن ينزل من علياء کبريائه الوهمية و يقر بسقم و زيف ماإدعاه أو کتبه بذلک الشأن الفلاني، وقد کان يجب أن يکون رجلا مثل فوکوياما بمثابة درس عملي لمثل أولئک الکتاب فيقرون ولو لمرة واحدة بعدم مصداقية ماذهبوا إليه أو على الاقل إنهم توهموا بإنها الحقيقة ولم تکن في النتيجة إلا محض خيال لم يغن من الحقيقة شيئا. أنا لا أجد ضيرا أو خطرا في ثقافة الاختلاف أبدا بقدر ما أجد الخوف کله في ثقافة الکبت وفرض الاملاءات بسياقات محددة، وانني وإن إختلفت مع الدکتور القاسم في الکثير من الامور، فإن ذلک لايعني أن أقوم بنسف دوره أو مصادرته من أجل أهواء و نزوات تعتمر في أغواري ضده، کما يفعل الکثيرون، بل ان تجاهل الحقيقة تخدم الخصم أکثر من غيره وهي تقويه و تشد أزره، وللعرب في تجربتهم مع دولة اسرائيل أکثر من درس و عبرة في هذا الصدد. القاسم کان من أول الذين مهدوا لثقافة الرأي و الرأي المضاد وهو أول من سمح للآخر بالتعبير عن نفسه مع کل تلک الملاحظات و التحفظات التي لدينا بشأن طريقة أو اسلوب منح مساحة الکلام أو حتى إدارة الصراعquot;الکلاميquot;من قبل القاسم نفسه، لکن کل ذلک لايمنع من أنه قد فتح الباب على مصراعيه قبالة واحدة من أهم المواضيع المعاصرة و الحساسة في المنطقة أي حرية الرأي.
في حياتي الصحفية قابلت الکثيرين من الکتاب و المفکرين و الساسة و الصحفيين و الفنانين من أجل التعريف بهم في الوسط الثقافي و الجماهيري الکوردي، ولم أجد بينهم من أجاب على أسئلتي أو أدرک فحواها و مغزاها کما کان الحال مع الدکتور فيصل القاسم، إجابات مختصرة و معبرة مشحونة بتعابير وجمل فيها الکثير من الصور المعبرة، في الوقت الذي قابلت فيه أيضا أسماءا لامعة أجهدتني ترجمة کلامهاquot;المطنبquot;للغة الکوردية. شهادتي هذه قد تکون لها أهمية لانها تتلائم مع روح العصر، إذ ان الانسان في عصرنا الحالي لم يعد نفس انسان العقود الاخيرة من القرن المنصرم حتى يجلس و يقرأ کل محتويات الصحيفة حتى الاعلانات و الهوامش، إنه انسان يريدquot;المفيدquot;على حد تعبير الاخوان المصريين، والقاسم رجل تمکن من أن يختط لنفسه منهجا خاصا يؤکد علىquot;ماقل ودلquot;و علىquot;المفيدquot;الذي يفيد القارئ أو المشاهد.

نزار جاف
[email protected]