لن تبقى عربية قرار وزراء الثقافة العرب والجامعة العربية بأن تكون القدس الشريف عام 2009 عاصمة للثقافة العربية يضع ألف سؤال وسؤال حول امكانية نجاح هذا القرار، فالقدس يا لوعة التاريخ العربي المعاصر ويا لوعة العروبة تخرج من عباءة العروبة يوما بعد يوم رغم أن كل حجر فيها يشهد بأنه عربي وأن بناته عرب، وأنه إما مسلم يشهد بالشهادتين، أو مسيحي عربي شرقي من أتباع رسول المحبة والسلام عيسى عليه السلام.


ولا يختلف اثنان من دارسي التاريخ، أو من المهتمين بالثقافة أن القدس الشريف كانت منبرا ثقافيا ودينيا اسلاميا ومنارة اشعاع حضاري عبر التاريخ، منذ أن بناها ملكي صادق اليبوسي الكنعاني العربي، مرورا بالفتح الاسلامي لها في القرن السابع الميلادي وحادثة معراج الرسول الأعظم من الأقصى الشريف إلى السماوات العلى قبل ذلك.


ورغم كثرة الغزاة والطامعين والمحتلين الذين تكالبوا على بيت المقدس وأكناف بيت المقدس إلا أن مواطنيها العرب الفلسطينيين سدنتها وسدنة الأقصى الشريف، وسدنة كنيسة القيامة لم ينقطعوا عنها يوما واحدا، ولم يخلوها يوما واحدا رغم المذابح التي تعرضوا لها ولا يزالون، فقد ذكرت كتب التاريخ على سبيل المثال ان الفرنجة عندما احتلوا القدس في العام 1097 ميلادي قتلوا في الأقصى سبعين ألفا هم مواطنو المدينة الذين التجأوا إليه.


لكن الاحتلال الاسرائيلي للمدينية القديمة وضواحيها في حرب حزيران 1967 العدوانية استهدف الجغرافيا والتاريخ فيها مع استهدافه للمواطنين، فدمر وجرف حارتي الشرف والمغاربة المحاذيتين لحائط البراق، الحائط الغربي للمسجد الأقصى المبارك تدميرا كاملا، مع ما تحويه من مساجد ومدارس وأبنية تاريخية، وشرد من نجا من سكان الحارتين إلى خارج المدينة ndash; جزء منهم إلى مخيم شعفاط ndash; ويقدر عدد السكان أكثر من ستة آلاف مواطن في حينه. ثم توالت الحفريات الاسرائيلية تنخر أحشاء المدينة، مصاحبة لتغيير ملامحها العربية الاسلامية، مثلما حصل في باب العامود المدخل الرئيسي للمدينة، وخلع البلاط الحجري والأثري القديم من أسواق المدينة واستبداله بحجارة حديثة العهد تحمل رموزا عبرية، لتوحي للزائرين أن العبريين هم بناة المدينة، رلمحو أيّ أثر عربي اسلامي، وإذا كانت الحفريات الاسرائيلية تهدد المدينة كاملة بالانهيار جراء أي عامل طبيعي مثل الزلازل، فإن أخطر هذه الحفريات هي التي تستهدف المسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين،وأحد أركان العقيدة الاسلامية، هذا المسجد عظيم الشأن، عظيم البناء والزخرفة الذي تعرض لمئات الاعتداءات منذ وقوعه في الأسر.


وهذا المسجد هو عنوان عروبة واسلامية القدس الشريف، وسلطات الاحتلال الاسرائيلي تمنع دخول مواد البناء إليه حتى لأغراض الترميم.
وحصار هذه المدينة بجدار التوسع الاحتلالي الذي منعها عن التواصل مع امتدادها الفلسطيني والعربي، لم يمنع المقدسيين الفلسطينيين وفلسطينيي داخل الخط الأخضر من الدفاع عن هذا المسجد بصدورهم العارية، وقدموا آلاف الضحايا بين شهيد وجريح دون كلل أو ملل رغم أن أبناء جلدتهم ودينهم نسوهم، أو لم يقدموا لهم سوى بيانات الادانة والاستنكار التي لا تغني ولا تسمن من جوع.
الوضع الثقافي:
قلنا أن القدس الشريف كانت مركز اشعاع حضاري وديني وثقافي عبر التاريخ، وقد أنجبت مئات العلماء في مختلف المجالات. وأمّها وأقام فيها مئات آخرون، فهل يعلم العرب والمسلمون ما هو حال القدس الآن؟؟ وبالتأكيد أنهم لا يعلمون رغم التطور الهائل في طرق الاتصالات والمواصلات، فتهويد المدينة لم يتوقف يوما منذ احتلالها، والمحتلون يمارسون سياسة التطهير العرقي ضد أبنائها المقدسيين الفلسطينيين، وعدد المستوطينين في القدس يصل إلى حوالي ربع مليون مستوطن، وجدار العزل الاحتلالي يخرج أكثر من مئة الف مقدسي فلسطيني من المدينة. والقوانين الاسرائيلية والمضايقات التي يمارسونها ضد المقدسيين الفلسطينيين أفراد ومؤسسات، حيث أغلقت الكثير من المؤسسات مثل جمعية الدراسات العربية وبيت الشرق، وتم ترحيل الغرفة التجارية إلى خارج حدود البلدية، كما رحل quot; طواعية quot; عدد من المؤسسات الثقافية منها مسرح القصبة، اتحاد الكتاب الفلسطينيين، اتحاد الصحفيين الفلسطينيين، مسرح عشتار، مركز الواسطي للفنون التشكيلية، وهناك بعض الفرق المسرحية التي اندثرت وتلاشت لعدم وجود تمويل مثل فرقة الجوال وفرق الرواد، ومركز القدس للموسيقى العربية، فرقة نخلة الشبر، وفرقة يوم المسرح، وفرقة الحكواتي. كما أن هناك ثلاث دور سينما مغلقة منذ العام 1967. فماذا تبقى في القدس عاصمة الثقافة العربية عام 2009؟
لعل أبرز معلم ثقافي وتعليمي في القدس هو كلية الأداب للبنات أوكلية هند الحسيني التابعة لجامعة القدس.


وهناك المسرح الوطني الفلسطيني ndash; الحكواتي ndash; سابقا الذي ينتج بعض المسرحيات ويقدم عروضا لها، وعروضا لبعض الفرق العربية من داخل الخط الأخضر، ويعرض أفلاما منتقاة، وتقام فيه ندوة أدبية أسبوعية باسم ندوة اليوم السابع يديرها ويشرف عليها كاتب هذه السطور، لكن هذا المسرح يعيش ظروفا غاية في الصعوبة تهدد بإغلاقه لعجزه عن دفع أجرة المقر، وعجزه عن دفع رواتب العاملين فيه، وعجزه عن دفع فواتير الماء والكهرباء.


وهناك مسرح سنابل في حي الثوري، ومركز اسعاف النشاشيبي في الشيخ جراح، وجمعية الملتقى الفكري العربي. وهناك أيضا مؤسسة يبوس للفنون والتي استأجرت سينما القدس في شارع الزهراءـ وتقوم بترميمها واعدادها بتمويل خارجي وبدعم من بلدية القدس كما جاء في صحيفة quot; يروشلايم quot; في عددها يوم 15-12-2006.


كما أن المؤسسة الصحية في القدس قد جرى تهويدها من خلال صناديق المرضى الاسرائيلية ndash; الكوبات حوليم ndash; والتي تفتح لها فروعا في كافة أحياء المدينة، وحتى المستشفيات العربية كمستشفيات المقاصد الخيرية، والمطلع ndash; الأوغستا فكتوريا ndash; والمستشفى الفرنسي، ومستشفى الهلال للولادة فلولا تعاونها مع صناديق المرضى الاسرائيلية لأغلقت هي الأخرى أبوابها.
إن الحديث عن تهويد القدس لا ينتهي لأنه متجدد يوميا، وهو بحاجة إلى دراسات معمقة، وتوثيق أكثر عمقا، فهل من يسمع؟؟

جميل السلحوت