لم تكن قضية نصرة الفلسطينيين فرضا قد أوجبته السماء على العراقيين بقدر ما كانت وتكون مسألة إنسانية تستقطب إهتمام اهل العراق وتشغل حيزا من ضميرهم ولم تكن هذه العقيدة وليدة اليوم بل هي امتداد لأول قرار تعسفي بحق الفلسطينيين الذي جرى عام 1948 وقتها أخذت القضية الفلسطينية مراكز مهمة في تفكير العراقيين حيث قام كل واحد منهم يدعم تلك القضية بما يراه مناسبا، وهي لم تقتصر على العرب فالاكراد العراقيون وضعوا في مبادئهم وشعورهم تلك المسألة وهم لم يكونوا عربا لكن الانتماء العراقي يدفعهم أن ينهجوا ذلك المنهج الوطني الصحيح كما إنها لم تقتصر على المسلمين كما يشعر البعض من أصحاب التفكير الأوحد لأن المسيحيين العراقيين وكل الطوائف العراقية غير المسلمة تتعاطف جديا مع تلك القضية النبيلة الشريفة وتنتهج مبدأ يعارض فيه الاحتلال الصهيوني بينما نجد من يدعي القومية العربية ويحتكر الدين الاسلامي في تحقيق أهدافه قد رفع العلم الاسرائيلي فوق ترابه ( الطاهر ).


هذه ليست منّة يتمشدق بها العراقيون على إخوتهم الفلسطينيين بقدر ما هو الواجب الانساني الذي يجعلهم أن يتصفوا بهذه المباديء النبيلة ومنذ عقود من الزمن في وقت يحيط بالأرض الفلسطينية دعاة الكفر وأهل الشر من كل زاوية واتجاه، لكننا نقتطع الفترة المظلمة التي عاشها العراقيون في العهد الدكتاتوري البائد حيث استقدم رئيس النظام (صدام حسين) كل الذين يثبتون ولاءهم (لقيادة الحزب والثورة) بغض النظر عن معدنه أو قوميته أو دينه لقاء رواتب مجزية في ظرف بالغ الصعوبة كان يدمي العراقيين نتيجة الحصار الظالم علّهم يسهمون في امتصاص شطر من فائض الفكر المبتذل فكان الفلسطينيون يشكلون جزء مهما وحيزا كبيرا في تأييدهم للسلطة الحاكمة ــ وهو لم يعد أمرا غريبا ــ لكنّ الامتعاض يبسط جناحيه عندما يكون الفلسطيني متقمصا لشخصية رجال الامن ويصبح (مخلصا) في وشايته على العراقيين أصحاب الوطن، فكم من أمّ عراقية فقدت وليدها نتيجة ورقة صفراء دسّها فلسطيني في مرمى المخابرات ولنا في ذلك وقفات تطول أذرعها وتنهش من العراقيين دماءهم الزكية الطاهرة، لكنّ الامر تغيّر تماما بعد سقوط النظام وزوال الدكتاتورية عن الارض العراقية الطاهرة عندها شعر الفلسطينيون في العراق بماضيهم السيء وتعاونهم المرفوض مع السلطة الحاكمة لقاء مبالغ كانوا يستلمونها من أموال الشعب العراقي التي حرموا منها، واليوم أصبح الفلسطينيون يتعرضون الى محاربة إرهابية تقلّ كثيرا عمّا يتعرض له أبناء البلد في تخلف كبير يتبوأ قمته الرعاع والهمج من الارهابيين المتعطشين للدماء، فالفلسطينيون لم يصطدموا بمثلبة واحدة شهرها العراقيون بأوجههم وأنما الحملة التخلفية الكبرى التي ساوت بين ما هو عراقي أو ينتمي الى جنس آخر لأن الهدف هو تدمير العراق. فتوقفت العطايا وتعطلت الهبات بعد موت النظام السابق الى كل من كان يستلمها دون وجه للحق أو زاوية من قانون فتراجعت (ألأخوة) العراقية الفلسطينية لأنها لم تكن مبنية على أساس من الصدق وباشر المستفيدون سابقا بأعطاء دورهم في الرد على الحكومة العراقية وشعبها الذي يلاقي الموت يوميا بالاساليب المتخلفة المعروفة. فالعراقيون عندما كانوا يعطون الفلسطينيين من أموالهم كانت للعراقيين منزلة كبيرة في نفوس القادة الفلسطينيين وهم يضعون أيديهم فوق رؤوسهم تحية للحكم البائد، أما وقد أزيلت تلك الهبات فأن (القادة) الفلسطينيون وضعوا أيديهم في مكان آخر من أجسامهم مستنكرين العملية التي لم يكن لأي عراقي يد فيها وأنما هي من صنع الارهاب ومن سار بجوقتهم، يعني أن العلاقة كانت مبنية على الدعم المادي فعندما نبض تراجعت العلاقة الى ما هو أكثر للعداء وهي حقيقة يجب أن يعرفها السادة المسؤولون في فلسطين.

علوان الهليل