تعقيباً على مقالنا المعنون بquot;فك الإرتباط والإنتفاضةquot; والذي يتلخص في فيمايلي:
أن حصة الأسد من نصيب أبناء الضفة الشرقية على حساب أبناء الضفة الغربية، وأن هذه العلاقة غير المتكافئة أتاحت للحكام ممارسة السلطة الاستبدادية الظالمة وكأن كل دولة ملكية خاصة تابعة لهم يتصرفون بها كما يشاؤون وهم السادة وغيرهم العبيد كما أنهم قدموا التنازلات المستمرة للدول الكبرى الداعمة لإسرائيل، وأن إستقلال العرب وتحررهم مرهون بإعادة الإرتباط بين الضفتين وفك الإرتباط مع القوى الكبرى الداعمة للكيان الصهيوني حتى تتغير المعادلات السياسية.

هذا وإن كنا نؤيد قرار إعادة الأرتباط بين الضفتين فهو من باب إعادة اللحمة الى الشعب الواحد وتوحد رؤاه وأهدافه ومصيره المشترك، ونظرنا للموضوع بعين الواقعية إذ ركزنا على الحرمان من الهوية والحرمان من التعليم ومعاملتهم معاملة الأجنبي بل أقل درجة من ذلك، حيث لايستطيع أن يسجل مشروعاً بإسمه ولاحتى بيتاً يأوي إليه، وسيستمر الوضع الى أن يقوموا بإنتفاضة جديدة تطالب بالعدل والمساواة في الحقوق والواجبات.

وذكرنا أنه لا تكاد توجد عائلة في الضفة الغربية إلا ولها إمتداد في الضفة الشرقية وكذالك عائلات وعشائر الضفة الشرقية كان لها إمتداد في الضفة الغربية وان أكثر الإستثمارات المتبادلة بين الضفتين تعود لهذه العائلات والعشائر وهناك تداخلات وتشابكات كثيرة اخرى كافية للتاكيد باستحالة الفصل بين الضفتين بل حتما ستعود وتصبح ضمن حدود دولة واحدة رغم أنف الكثيرين.

أما في هذا المقال فسنحاول تسليط الأضواء على طعن هيئة حقوق الإنسان الأردنية بقرار فك الإرتباط والرد على الذين يتمنون بالقول أن quot;لا عودة عن قرار فك الارتباطquot;، وعلى الرغم من وضوح تصريح وزير الداخلية بهذا الشأن إلا أن الأماني التي تدور في مخيلة البعض هو الذي يشوه تعليمات الوزير ويفرغها من مضمونها وقرار فك الإرتباط هو في حقيقته مجموعة التعليمات التي أدت خلال قرابة عقدين من الزمن الى ماصرنا إليه من سلبيات ومظالم التي تنتج عن تطبيق هذه التعليمات وماكان يعنيه الوزير هو تعديل تلك التعليمات لتلافي السلبيات والمظالم لتمحو آثار ما ترتب أو سيترتب وينتج عن تطبيق تلك التعليمات من ظلم وسلبيات.

وهذا ما أكدت عليه هيئة حقوق الإنسان الأردنية التي أصدرت قراراً بإعادة الجنسية كحق دستوري وقانوني وشككت بقانونية قرار فك الإرتباط وتأثيره على سحب الجنسية حيث أكدت على أن الجنسية تقرر وتسحب بموجب القانون المنبثق عن الدستور وليس بموجب قرار إداري ووضعت دليلاً قانونياً ودستورياً لإستعادة الجنسية لمن فقدها من المواطنين بموجب الإجراءات التعسفية التي إعتمدت على قرار فك الإرتباط ونحب هنا أن نذكر بالمادة (5) من الدستور الأردني التي تؤكد على أن الجنسية تمنح وتسحب بقانون وليس إستناداً الى قرار إداري كقرار فك الإرتباط مثلاً.

ومما سبق يتضح أنه تم سحب الغطاء الشرعي عن قرار فك الإرتباط مما سوف يثير جدلاً واسعاً على المستوى السياسي والبرلماني والدستوري ولكن هذا الجدل سوف ينتهي إذا تم إعتماد الدراسة القانونية المتأنية التي أعدتها هيئة حقوق الإنسان الأردنية المدعومة من الملك عبدالله الثاني شخصياً ويرأسها رئيس الوزراء الأسبق أحمد عبيدات الذي كان أيضاً رئيساً سابقاً للمخابرات، وسوف يكون هناك صعوبات بالتشكيك بهذه الدراسة وخلفياتها ودوافعها.

وبناء على كل ماتقدم يمكننا القول بأنه يتوجب على كل متضرر أن يلجأ الى القضاء ليستعيد جنسيته أو يستردها بقوة القانون بل ويطالب بالتعويض عن الأضرار التي لحقت به جراء ما أطاحت به تعليمات فك الإرتباط بحقوقه الدستورية وعلى اساس تعليماته سحبت الجنسية وماترتب عليها من آثار ونتائج خطيرة.

ونتمنى أن يعود أصحاب الجوازات الملغاة بسبب قرار وتعليمات فك الإرتباط والتي قدر عددها خلال تلك الفترة بأكثر من مليون ونصف المليون جواز الى إستلام الجوازات البديلة والتي تعبر عن الهوية الأصيلة لا أن يكونوا من الدرجة الثانية أو الثالثة أو ماشابه ذلك، أما بعض التقديرات فقد قارب العدد المليون وثمانمئة ألف جواز سفر.

ولا أريد أن يتخيل القاريء أن المشكلة هي جوازات وإنما إشكالات تكاد تكون متفاقمة طبقاً لملف كل جواز علماً بأن هناك قضايا عديدة سجلت بشأن هذه الجوازات لدى محكمة العدل العليا.

ولانريد أن تكون حلول اللجنة على أساس حالات إنسانية فهم مواطنون شاء من شاء وأبى من أبى فهي قضية إمتدت لأكثر من ثمانية عشر عاماً ولن تحل في عام أو عامين أو غيرها ولانريد أن يكون كلام الوزير وتوصيات الهيئة والدراسة القانونية التي إنبثقت عنها مجرد ذر للرماد في العيون وإنما تحول حقيقي في الفكر تجاه المآسي التي عانى منها مواطنون ليس لهم ذنب إلا إختلاف بعض القيادات السياسية فيما بينهم ونتائج هذه الإختلافات جاءت على رؤوس المواطنين المهمشين من الرأي ومن كل شيء.

فمعاناة الفلسطينيين من جراء قرار فك الإرتباط كثيرة لايستطيع أحد أن يحصيها ولكن يمكن تسليط الضوء على الكثير منها وعلى القاريء أن يتخيل النتائج الخطيرة التي ترتبت عليها ونذكر البعض منها على سبيل الأمثلة وليس على سبيل الحصر فمنها نشوء ظاهرة البدون في الأردن والأضرار التي لحقت بهم وبأبناءهم، وكذلك تم إبعاد عدد من الأفراد الذين يقيمون بالأردن بشكل دائم والمتزوجين من أردنيات.

لقد سحبت وثائق لأشخاص مولودين في الأردن ورفض وزارة الداخلية منح الجنسية لكثير من الفلسطينيين المقيمين على أراضيها وفقدان أبناءهم الأوراق الثبوتية لإثبات شخصياتهم وإسترداد الجوازات الممنوحة لهم تاركين أزواجهم وأبناءهم بسبب سحب الوثائق التي كانوا يحملونها وتعطلت سبل حياتهم ومعيشتهم وهذا فيه إنتهاكات واضحة بحقهم وإهدار لحقوقهم الإنسانية والحرمان من التعليم والعلاج والحرمان من التنقل بين المحافظات هذا عوضاً عن الحرمان من التنقل خارج الحدود وكذلك حرمان الشخص من العمل وحق العيش مما ترتب على ذلك أضراراً نفسية مادية ومعنوية.

ولانريد أن نزيد على ذلك ولكن ندعوا القاريء أن يتخيل كيف يمكن أن تؤدي سحب الوثائق الرسمية من جوازات وهويات أحوال مدنية وأرقام وطنية ووثائق الإقامة ورخص قيادة السيارات وغيرها من أضرار.

مصطفى الغريب

كاتب فلسطيني