لم أكن شيوعياً بالمعنى التنظيمي ولكني قدمت ماقدمت للتنظيم الشيوعي مايفوق العضو المنظم الحقيقي فأنا:-
قد بدئت قناعاتي تنمو، إن نظام نوري سعيد قد اندفع أكثر من اللزوم في خدمة الاستعمار والقوى الامبريالية مما حرك مكاناً للشعور الإنساني لدي ولدى الغير الكثير.. هناك عوامل كثيرة تدفع البرجوازية وحتى قسم من الطبقة الغنية المرفهة في حالة تأثر مما يجري في العراق في ذلك الوقت خاصة الأحوال الاجتماعية يوم يضطر سكان الصرائف الفقراء الكادحين أن يبنوا صرائفهم حول الدور والقصور المحاذية لسدة ناظم باشا بدءاً من محلة السعدون وحتى الصرافية هرباً من فيضانات دجلة المدمرة وخاصة فيضانات الخمسينيات يوم أصبحت بغداد في خطر محدق مما اضطر السلطة على كسر بعض أجزاء من السدة وإغراء الآلاف الدونمات تخفيفاً لضغط المياه الجارفة. تلك صور مأساوية عاشها العراق وأبناء العراق وخاصة أبناء العراق الجنوبي الفلاحين الهاربين من الإقطاع وسوء المعاملة والآتين إلى بغداد من اجل لقمة العيش.
شعرت وأنا أعيش تلك الحالة من الصورة المأساوية بان مصيري يرتبط مع اليسار الديمقراطيين وكنت أرضية خصبة بقبول مبادئي الديمقراطية يوم أكملت قراءة كل مؤلفات القصص لمكسيم غوركي ومنها رواية (الام) وكتب أخرى تنبض بالحس الإنساني وتفيض بمعاناة الإنسان المضطهد. كل هذه الكتب قرأتها وأنا بالقسم الداخلي لمدرسة اليسوعيين (كلية بغداد حالياً) وهي أغلى مدرسة آنئذٍ لا يقبل بها إلا أبناء الوزراء والمتنفذين والأغنياء الرابضة في الصليخ شمال بغداد.
أنا مع التفاعل بتلك القناعات السياسية خرجت من محيطي لدرجة أطلق على مثلي نحن من خونة طبقتنا ولم يكن لدي في ذلك الوقت قراراً أن ادخل الحقوق وامتهن المحاماة مستفيداً من مركز الوالد كنائب لنقيب المحامين وبقي في هذا المنصب ثلاثون عاماً وأصبح عضواً مهماً ألا وهو نائب رئيس لدولة صالح جبر.

لابد أن اليسار الديمقراطي شخص هذه الحالة واستفاد من إطاري السياسي والاجتماعي فدفعني غالى السطح محققاً له تغطيات قانونية مطلوبة.

لاشك أي مخلص للعراق لا ينكر إن الديمقراطية التي هي تنبع من تاريخ طويل للشعوب قدم الكثير من التضحيات من اجل الوصول إليها وهي أساسا للحرية وأساس لكل ما هو خير للبلد في تأسيس مؤسساته الديمقراطية والدستورية. في هذا الزورق عشت مؤمناً باليسار خاصة اليسار العراقي الذي ملك فسحة من الديمقراطية المحسوبة المقدمة في ظل النظام الملكي ومدروسة نوري سعيد ومهما وقع على العراق من تضييق على الحرية والتركيز على الشيوعيين كأعداء النظام فان قسوته لا تقارن بما يعانيه العراق اليوم في ظل العمائم السوداء والبيضاء وفي ظل الدعوة لتسييس الدين واعتباره الوسيلة الوحيدة لنظام الحكم هذه الأفكار قفزت إلى ذهني وإنا استمع للمناقشة الحاصلة بين سكرتير الحزب الشيوعي الدكتور حميد مجيد في إحدى الفضائيات العراقية وأخذت مع نفسي اتسائل لماذا انحسر التأييد الجماهيري العظيم لحزب قدم للعراق ولقضية العراق تضحيات كبيرة؟؟
لماذا انقسم هذا الحزب على نفسه ومع نفسه؟؟
لماذا قبلت قيادته ان يسير في قافلة الاحتلال ويدخل على الساحة بعيداً عن أهدافه وسيرته ونظامه؟؟
كم بكى الرفاق المخلصون.. رفاق الحزب وأنصاره دماً يوم دخل السكرتير إلى المجلس المشوه البعيد عن الحرية والديمقراطية وأسس الانتخاب ويحمل صفتين شيعي وشيوعي وكن الطائفة كانت أقوى في الوصول إلى قبة البرلمان وهذه حقيقة لا يقبل بالسياسة لمسيرة الحزب.
لقد اسُتغرب من أجوبة الزعيم الشيوعي بأنه في سبيل عقد مؤتمر الذي طال الدعوة إلى عقدة وقضت فترة طويلة على هذا الوجوب الحزبي وقد استقل بالرأي الدكتور حميد وأهمل إرادة الرفاق وقواعد الحزب.
أني أرى إن الحزب الشيوعي قام بعملية انتحار سياسي فانه:-
أولاً دخل بقافلة المصالح الأمريكية، وانه ثانياً لم يحاول أن يتواءم مع انتكاسة الشيوعيين في الاتحاد السوفيتي مع الاحتفاظ بجوهر النظرية برأي إن الشيوعية لم تنتكس في الاتحاد السوفيتي لضعف النظرية بل لأنها لم تمارس بما تقتضيه الظروف والديمقراطية الحزبية فآلت إلى ما آلت إليه الآن.
إن الذي يتألم منه الإنسان الذي اعتقد إن هذا الحزب وأنصاره والمؤمنين بالديمقراطية سيوصلون العراق إلى غير الحالة الكارثية التي يمر بها ألان.

لن أنسى:-
عندما وقف شوكت عبد الجبار وإنا وكيلاً له وهو يهتف بحياة الحزب الشيوعي إثناء دخوله للمحكمة وإصدار الحكم عليه رغم أن الحاكم كان يضاعف العقوبة وهو يردد يعيش الحزب نفس الطبقة الكادحة تعيش الديمقراطية.

لن أنسى:
الديمقراطيين واليسار والشيوعيين في إضراباتهم البطولية في داخل سجون نوري سعيد رغم كل القسوة وتقديم الشهداء بعد الشهداء وذهب منهم الشهداء من اجل القضية الكبرى الديمقراطية.
ولن أنسى:-
إن ليس هناك دائرة يريد النظام أن تكون عالية النظافة قوية النزاهة تملك الكفاءة إلا وان انتخب لإدارتها الديمقراطيون والشيوعيون في التاريخ القريب كان العراق يمر في فوضى أزمة التموين فأراد نوري سعيد أن ينشأ دائرة خاصة أطلق عليها مديرية الاستيراد والتموين واتى بالمرحوم ناظم الزهاوي كمدير عام وهذا المدير العام أتى بكل الكوادر القريبة من الديمقراطية والشيوعية ولم يكن احد من الموظفين غير كفوء، أتذكر منهم عبد الوهاب الحسك الذي كان من أكفأ وأنصف الموظفين منع الدائرة ككل من الاتهام بالرشوة او الاستفادة من المنصب رغم ملايين الدنانير كانت تحت تصرفهم إضافة للوظيفة.
لن انسى:-
كيف انتصر التيار الديمقراطي لانتخابات النقابات المهنية وغير المهنية بثقة الغير للكوادر المتقدمة من الديمقراطيين منها نقابة المحاميين برئاسة عبد الوهاب محمود وكثير من النقابات وخاصة ان الديمقراطيون حققوا انتصاراً رهيباً في ظل الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم.

نحن لا نريد مسح دور أي قوى سياسية في تاريخ العراق المعاصر ولكن نوجه انتقاداتنا ونضعها من اجل أن يلعب الديمقراطيون دوراً مهماً في هذه المرحلة.. والتي يحتاجها العراق في الوقت الحاضر ليتخلص من بحيرة الدماء التي تتسع يوماً بعد يوم بفضل الطائفية.

خالد عيسى طه