العالم العربي أصبح يتمتع بكثير من الحرية وبقليل من الديموقراطية، ولن يتحقق للعالم العربي المستقبل الذي ينشده إلا بوجود نظام إنتخابي ديموقراطي أما الإنتخابات الحالية فهي لاتضمن عدالة النتائج أو نزاهتها لإعتبارات عدة أهمها أن السلطة لم تتورع عبر الأجهزة الأمنية عن التدخل للتأثير لا بل الإقدام على التلاعب بالنتائج في بعض الحالات والممارسات غير الديموقراطية ومنها شراء الذمم، وما يمارس من شحن فئوي، مذهبي وطائفي أو عشائري وهو ماتسعى إليه الدول الكبرى عبر مخططاتها لمستقبل المنطقة.

ومن هنا نرى أنه لابد من تفعيل النظام الإنتخابي الديموقراطي مع مراعاة الحاجة إلى كثير من التوافقية بين طبقات وفئات الشعب، كما لابد لهذا النظام أن لايجعل المؤثرات الخارجية تسيطر عليه، والتي quot;من شأنها إعتراض مسيرة الديموقراطية وتشويشها لا بل وحرفها عن مسارهاquot;.

وفي فلسطين نتوقع أن quot;لا يكون هناك تغيير في المدى القصير حتى لو تشكلت حكومة وحدة وطنية ومارست سلطاتها وصلاحياتها لفك الحصار عن الشعب الفلسطيني لأن أمريكا وإسرائيل لم يدعما إتفاق مكة، لذا لابد أن تجرى إنتخابات مبكرة لتحدث تبديلا جذرياً في الطبقة السياسية المحتكرة للسلطة وللقرار الفلسطيني وهنا لابد أن تتجاوز السلطة الوطنية مشاكلها ومآزقها وتكتسب الحياة السياسية ما يرتجى لها من الديموقراطية الفاعلة من خلال الحوار الوطني، حتى لايستمر الإقتتال بين حركتي فتح وحماس مما ينذر بنشوب حرب أهلية هناك.

هذا المسلسل من الأزمات الوطنية العنيفة هو أكبر دليل على أن فلسطين تفتقر الى الديموقراطية رغم توفر الكثير من الحرية، ولو كان في فلسطين ديموقراطية فاعلة لما وصلت تلك الأزمات الوطنية إلى حد الإقتتال بين حركات المقاومة ومجرد التفكير في عقد مؤتمر للحوار الوطني فإن ذلك ينطوي ضمناً على إدانة للوضع القائم وللسلطة الوطنية وللنظام وللدستور بأنه غير ديموقراطي، ففي نظام ديموقراطي فاعل لا وجود لمؤتمرات للحوار الوطني.

إن ضرورة تفعيل النظام الإنتخابي الديموقراطي لابد أن يقضي على ممارسات القوى الكبرى وتدخلاتها في الشأن الفلسطيني سواء كانت عربية أم أجنبية وإلا من غير المجدي السير في هذا الطريق بمعنى إذا لم يكن القرار الوطني الفلسطيني مستقل فلا حاجة أصلاً للإستقلال فمعنى قيام دولة فلسطينية مستقلة يعني ذلك حرية القرار الفلسطيني.

السلطة الفلسطينية وحركات المقاومة تتعرض لتدخلات كثيرة من جانب الدولة العظمى، أميركا ودولاً عربية وأجنبية أخرى، والمواطن الفلسطيني يشعر بأن أميركا تريد منه الكثير، وإنها تضغط على حركة حماس من خلال المجتمع الدولي للإعتراف بإسرائيل كما ستطلب من سوريا المساعدة على تجريد حركة حماس من سلاحها إذا أرادت أن يكون لها دور في المنطقة وعقد صلح مع إسرائيل.

ونطرح جملة إقتراحات للديموقراطية في فلسطين ومنها:

- لا بد أن تكون هذه الديموقراطية توافقية الطابع، أي أن لا يكون الاحتكام فيها لحركة دون أخرى من دون إعتبار لمصالح الشعب والفئات التي يتشكل منها المجتمع الفلسطيني بل ينبغي مشاركة الجميع.

- ولا بد من العمل منهجيا على تجاوز هذه الحالة المأساوية مهما إستغرق من وقت وإستنفد من جهد، والسبيل إلى ذلك الإنطلاق من نصوص الدستور والقرار الفلسطيني المستقل حتى لاتصبح حركات المقاومة جزءاً من المساومة ومتراساً للفاسدين والمفسدين بل لابد من المحاسبة وملاحقة القتلة والمجرمين الساعين الى تأجيج الفتنة.

- ولا بد من الإقدام على برنامج شامل للإصلاح في الميادين السياسية والاقتصادية والمالية والتربوية والثقافية والبنيوية، فالإصلاح يكون شاملا أو لا يكون، إلا أن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، وهذه الخطوة لا بد أن تكون في الميدان السياسي والإقتصادي.

إذا كان الإصلاح السياسي والإقتصادي هو المدخل الطبيعي للإصلاح الشامل، ومفتاح هذا الإصلاح هو تفعيل مؤسسات منظمة التحرير وقياداتها، ونحن نرى إن من مقتضيات الإصلاح السياسي والإقتصادي هو إعتماد قانون لإصلاح تلك المؤسسات التي يتأمن فيها إندماج حركات المقاومة لتشكيل جيش فلسطيني واحد بقيادة واحدة.

ونحن نؤمن بأن التمثيل النسبي، إذ يؤمن تمثيلاً أصدق لإرادة الناخبين، سيكون من شأنه إحداث شبه ثورة، بالمعنى الإيجابي في الحياة السياسية في الضفة والقطاع، وهنا ندعوا إلى إستحداث وسيلة لإستفتاء الشعب وإبتداع صيغة ما لمشاركة اللاجئين المطالبين بحق العودة ودخولهم الإنتخابات الرئاسية والنيابية والبلدية.

وخلاصة القول فإني أشعر بالتشاؤم من التغيير الديموقراطي المحتمل مستقبلاً ولا أتوقع تغييراً في المدى القصير لأن التغيير من أجل الديموقراطية في العراق جر عليه الويلات وزاد من وتيرة الإرهاب في المنطقة وفي العالم وأصبح شبح الحرب الأهلية يهدده، وكذلك مطالبة المعارضة اللبنانية بالديموقراطية والتغيير السلمي للسلطة فإنه قد يؤدي الى حرب أهلية لبنانية جديدة، وكذلك فرض النظام الديموقراطي بالقوة ومن خلال الإقتتال بين حركتي فتح وحماس للبقاء في السلطة سيؤدي في النهاية الى حرب أهلية رغم التوقيع على إتفاق مكة الذي تم مؤخراً في قصر الصفا بمكة المكرمة وبرعاية سعودية وجهود خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين.

مصطفى الغريب