يصادف الأول من اذار عيد المعلم وصورة وصفات المعلم مقرونة بالمدرسة عادة، والمعلم العربي والعراقي على وجه التحديد هو ليس معلماً ومربياً، وانما هو شرطي وجلاد حقيقي يسقط أمراضه النفسية وضغوطات الحياة فوق رؤوس الطلاب المساكين الذين - وياللمفارقة - ثبت ان استعمال الخشونة والضرب معهم هو أفضل أسلوب لإجبارهم على الانضباط والنجاح!

وعليه فأن أحد أسباب التخلف والخراب والدكتاتورية... مناهج التعليم التلقينية المشوهة، وممارسات المعلم العدوانية الوحشية ضد الطلاب.

دخلت المدرسة الابتدائية عام 1972 حينما بلغت سن 11 عاما بعد إلحاح كبير من الناس على والدي الذي كان يرفض ادخالي المدرسة بسبب أشتغالي معه في الدكان، وكذلك عدم أستخراجي لهوية الأحوال المدنية أو الجنسية العراقية فالوالد كان هارباً من أداء الخدمة العسكرية وكان يخاف مراجعة دائرة الاحوال المدنية لإستخراج هوية الاحوال المدنية، ولكن في النهاية تمكنا من الحصول على مدرسة مسائية تقبل الطلاب على ضوء جنسية أبائهم وكان مع والدي جنسية زور فيها عمرها وجعله خارج سن الخدمة العسكرية.


مازلت أذكر تلك الليلة العجيبة في صيف عام 1972 عندما دخلت المدرسة لأول مرة في حياتي وانا أرتدي ( الدشداشة العراقية / الجلابية ) فقد كانت المدارس المسائية لاتتقيد بنوعية الملابس، وكان الصف مزدحما ً بالطلاب من مختلف الأعمار، وكان المعلم يردد على أسماعنا ان التعليم مهم وضروري لتعلم كتابة الرسائل وقراءة الجريدة ومراجعة الدوائر الحكومية... والغريب ان المعلمين لم أسمعهم يشجعون الطلاب على مواصلة الدراسة ودخول الجامعة و كأن طلاب الدراسة المسائية ميؤوس منهم!


حتى داخل البيت كانت والدتي تردد أنني بمجرد ما أنهي مرحلة السادس الأبتدائي سأترك المدرسة وقد تحققت أمنيتها فقد رسبت في الصف الثالث متوسط / التاسع وأنتهت علاقتي بالمدرسة وتم سوقي للخدمة العسكرية كجندي مكلف.

دخلت المدرسة من دون أحلام وطموحات ورسبت فيها وخرجت منها غير آسف عليها.. فقد بدأت علاقتي مع الكتاب منذ الصف الأول المتوسط، وكانت ضربة حظ في منتهى السعادة ان أتعرف على زميل لي في المدرسة أعارني الكتاب الذي غير مجرى حياتي: (( رحلة نحو البداية / تأليف كولن ولسون )) وهو عبارة عن سيرة ذاتية ما جذبني فيها واثار اهتمامي هو كيف ان المؤلف استطاع تحقيق طموحاته من دون الحاجة للحصول على الشهادة الجامعية وقد منحني في وقتها دافعا قوياً للبحث عن طريق اخر لتحقيق الذات بعيداً على المدرسة التي كنت فيها طالباً فاشلاً وضعيفا في أغلب الدروس.

كانت ومازالت المدرسة العراقية.. مصدرا لأثارة الملل والضجر في نفوس الطلاب ولم أسمع يوماً من احد الطلاب يتحدث عن حبه للمدرسة ماعدا حب الطلاب لفسحة التحرر من سلطة الأهل وممارستهم للعب داخل الصفوف والساحات.


ترى لو عاد بي الزمن كيف سأختار حياتي؟.. لست أدري ولايوجد عندي جواب لهذا سؤال، فالحياة في أجمل صورها وفي قمة نجاحاتها هي عبارة عن أوهام وخدع ولعبة تستزف أعمارنا وهي تسير بنا صوب الموت الذي لابد منه.


خضير طاهر

[email protected]