ـ1ـ


من البداهة أن نحاول رؤية الوضع في الإصرار على تطور المؤتمر وجعله يصل إلى أهدافه المرجوة، هذا يقتضي منا الوقوف عند بعض ما جرى داخل المؤتمر وحرصنا على نجاحه أمرا يستدعي هذه الوقفة مع الذات منا جميعا. لأول مرة اجتمع مع هذا العدد من المفكرين والكتاب والإعلاميين والمهتمين بشؤون الأقليات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكانت بالنسبة لي حالة إغناء للمعنى الذي يجد المرء نفسه يدافع عنه. كما أنه شكل لي حالة من الاحتكاك الحقيقي مع الفضاء الوجداني والمفاهيمي لما أحمله من قناعات وأفكار. ولن أبالغ إن قلت:
ما وجدته من هشاشة في روح الفكر الذي نحمله بين كتفينا وفي قلوبنا، خصوصا وهو يمتحن أمام المختلف وحتى الأكثر من الاختلاف ـ كما كان حال الباحث الإسرائيلي موردخاي نيشان ومؤلف كتاب عن الأقليات في الشرق الأوسط ـ بداية انتابني مزيج من الفضول والتذمر النسبي! ولكن الأمر إزداد سخطا بعد أن تحدث عن الوضع في إسرائيل وفلسطين! لم أصدق ما أسمع ولكنني احترمت الرجل على صراحته وفهمه لموضوعه والذي يحوي مزيجا من العنصرية الواضحة والتي تبدت أكثر ما تبدت في تصويره وكأن الأمر:
الشعب الفلسطيني هو من يحتل أرض إسرائيل وهو من يقيم المستوطنات ويقلع الزرع والبشر من الأرض. ورغم أننا كلفنا كمجموعة من المؤتمر الدكتور أحمد أبومطر والسيدة نادية عيلبوني بالرد عليه. وكان الرد مناسبا لكنه كان انفعاليا قليلا رغم موافقتي على كل ماجاء به رد الصديقين والانفعال كنتيجة لما سمعنا في الحقيقة إنه تزوير فاضح لحقيقة الوضع هناك، تزوير بقلنسوة أكاديمية لم تفارق رأسه طيلة أيام المؤتمر! وفي حوار جانبي بيني وبينه وبحضور الكاتب أشرف عبد القادر سألته:
كيف لشعب يعتبر نفسه أقلية في هذا العالم ويعتبر أنه تعرض لأبشع أنواع الإضطهاد ـ الهولوكست ـ يستطيع أن يعرض شعبا آخر لكل أنواع الإضهاد؟ فكانت إجابته أغرب حيث قال:
إننا أقلية في محيط عربي يكرهنا ولا يقبل التعايش معنا فماذا تريدنا أن نفعل؟ لكنه أبدا لم ينفي الإضطهاد للفسطينيين وإنما برره! وهذا الأغرب.


ـ2ـ
كان لحضور المفكر العربي سعد الدين إيراهيم دورا مهما سواء لشخصه في طريقته في الحوار أو لما طرحه في هذا المؤتمر وعلى خلاف الفضاء الذي كان سائدا في المؤتمر تجاه حركات الإسلام السياسي. هذا الموقف الذي جسده الدكتور سعد بقوله أننا أمام ثلاثة خيارات في التعامل مع حركات الإسلام السياسي:
إما بالحوار أو بالجوار ـ وهذا غير ممكن ـ أو بالقضاء على هذا الإسلام السياسي. لهذا هو حاور حزب الله وحركة حماس. ملاحظتي على كل هذا الفضاء أنه لم يتناول الإسلام السياسي ضمن الفضاء السياسي في المنطقة، بل في الغالب تم تناوله وكأنه حالة خارجية يجب القضاء عليها أو أنها غزو مارق عمره 1400 عام. مما يجعل المرء يشعر أن الصراع هنا مع هذا الإسلام السياسي هو صراع وجود وليس صراع حدود. وهذا مفهوم لي عند بعض الكتاب والباحثين الغربيين أو العرب الذين يعيشون في الغرب! ولكن ليس مفهوما هو الهجوم على الإسلام السياسي في المنطقة دون التطرق للسلطة السياسية في هذه المنطقة ودورها في هذه الظاهرة دورا ماديا ورمزيا.

ولازال مستمرا لأنها سلطة لازالت لاتؤمن بتداول السلطة وبالعلمانية فتجد نفسها وفق أجندتها دوما في نفس الخندق مع الإسلام السياسي لأنها هي من أقامت هذه الخنادق. والسبب كما قلت في أكثر من تعليق:
ليس لدينا مجتمعات مدنية حرة حتى تنتج إسلام سياسي قطاع خاص؟ أو قطاع مدني. وكلنا يعرف أن لولا سلط المنطقة لما تضخمت هذه الظاهرة واستفحلت في إقصاءها لشريكها في الوطن.
لهذا خصومتنا مع هذا التيار هي على مادته الجماهيرية بالدرجة الأولى : فكيف نحوز على هذه المادة الجماهيرية لتصبح مؤمنة بقيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان؟ أعتقد أن من يمنع هذه الجماهير عن هذا الفكر هي السلطة بالدرجة الأولى وملحقاتها من الإسلام السياسي. وبودي توضيح جانبا من هذه القضية:
في مصر الأخوان المسلمين ستر وغطاء على النظام السوري مثلا حالهم كحال جبهة العمل الإسلامي في الأردن غير آبهين بالشعب السوري بأكثريته وأقلياته. تبادل المنافع بين السلط وبين الإسلام السياسي ليس شرطا أن يكون تبادلا فقط بين هذا التيار وبين سلطة بلده نفسها بل إن التداخل السلطوي العربي يتبادل أدوار الدعم مع هذا الإسلام السياسي. علاقة حركة حماس مع قطر مثلا! أو مع إيران!علينا دراسة هذا الواقع ونسأل اليس تونس بلدا إسلاميا! وأليست الجزائر بلدا إسلاميا ومع ذلك فيهما دساتير من أرقى الدساتير المدنية. المغرب أيضا..الخ
إلى ماذا توحي هذه الإشارة؟


إنها توضح بما لايقبل الشك تواطئ السلطة في المشرق العربي مع الإسلام السياسي وهنا يجب أن نوسع رؤيتنا لهذه الظاهرة! ثم ما يلفت الانتباه فقط:
إن الدول التي لا توجد فيها مشاكل طائفية أو دينية كمصر ـ تمييز ديني تجاه المسيحيين في الدستور المصري كحال السوري ـ نجد أن الحركات الإسلامية تنحو نحو تغيير منهجها وتتحول إلى أحزاب دنيوية؟
وهو بالتأكيد ليس تعميما للحالة ولكنه يؤشر على مدى حضور إرادة السلطة في كافة المجتمعات الشرق أوسطية.


ـ3ـ
للحديث بقية ولكن قبل أن أختم لا بد من القول أن هذا المؤتمر سيشكل علامة فارقة في تحسين وضع الأقليات في المنطقة كلها. وهذا يقتضي شكر كل من ساهم في إنجاح هذا المؤتر وأخص بذلك منظمة: أقباط متحدون والسيد المهندس عدلي أبادير بشكل خاص رغم أنه كان عصبيا قليلا ولكن فعلا ما بذله كان جهدا يستحق عليه كل الشكر. وليس بعيدا الجهد الذي قام به الدكتور شاكر النابلسي والدكتور أحمد أبو مطر والصديق مدحت قلادة.

غسان المفلح