العنوان الذي طرق باب مخيلتي حال ما فكرت في كتابة هذه السطور هروبا من أفكار تراود عقلي طوال يوم كان مشمسا ودافئا، استغل الناس جماله بالتنزه وممارسة رياضة المشي، اما أنا فاعتكفت لوجع لا أ ُحسد عليه .
عودة ثانية إلى مقاطع الأفلام المنشورة على مواقع الإنترنيت والتي تصل عبر البريد الإلكتروني من بعض الأحبة، يبدو أنها سوف تغدو شغلي الشاغل، بما تحمله من حقيقة مثقلة بمرارة المهزلة التي تستقطب العقل، خارجة عن مدار الميثولوجيا الموروثة والتي قد يحمل البعض منها شيئا من الجمالية او الخيال القصصي الذي ينام الأطفال على سماعه، وقد قصوا لنا أهلنا حين كنا نفترش السطوح ونتعلق بضفائر شعاع القمرومتاهات النجوم، في ليالي الصيف الصافية. وقصصنا لأطفالنا وسوف يقصص أطفالنا حينما يكبرون لأبنائهم عن قطر الندى والأقزام السبعة.
هذه الحكاية التي عرفها العالم كله وبلغاته العديدة. وقد حملت قطر الندى الطفلة الأممية اسماء البلاد التي تحكي عنها (سنيكورجكا، سنيهوركا، شني فيتشن ، سنوفيت، سنووايت، شبنم، ئه فنك، أكورديا ) قطر الندى التي ذ ُهلت طفولتنا بصفاتها الجمالية والأخلاقية وانتصارها على عنصر الشر، رغم ما أضمره الشر لها من مكائد متمثلا بزوجة الأب التي طالما لعبت دور الشريرة وإن كانت غاية في الطيبة وهنا أيضا جزء من اسقاطاتنا الاجتماعية، فقد كانت زوجة الأب الغيورة والتي اعتقدت انها تخلصت من قطر الندى، تسأل القمر مقارنة جمالها بجماله فيرد قائلا : آني منو أنت منو قطر الندى أحلى ( وفي العامية العراقية تحمل قطر الندى اسم فريط رمان) فما كان من زوجة الأب إلاّ ان تثور وتلجأ إلى مرآتها السحرية لتعرف أين هي قطر الندى التي ما ماتت رغم خطة القتل المرسومة لها والتي لم ينفذها خادم الأسرة، مستبدلا دم قطرالندى بدم حيوان مذبوح ( هنا وقفة مشتركة للتمويه ، دم يوسف وبراءة الذئب ). وتنتهي الحكاية مع بشاشة وجوه أطفال تغط بسلطان نوم لا يفرق بين غني وفقير.
القمر يبقى البعيد في مسافاته، والقريب في متناول الشعراء والمحبين يفرغون بجماله شحنات عواطفهم وأحاسيسهم، فهو القرين لوجه الحبيبة وهو المنصت لشكوى عاشق لغـِب، هلاله حاجبها وبدره التمام وجهها وغيبته انتظار عودتها المرتقب، وبلغ مخيال العراقي في يوم ما شأوا، حتى اعتقد الفقراء والبسطاء أن صورة عبد الكريم قاسم بعد قتله في انقلاب شباط الاسود 1963 قد ظهرت على القمر وأنه لم يمت وما زال حيا ً، والقمر هو قرص الرغيف الذي يتضور جوعا بدونه الفقير، كما تصوره الميثولوجيا، ومن ثم رأى الجزائريون عباس مدني في القمر ايضا حسب ما صرحوا به، واليوم عاد في العراق من يرى وجها اخر ظهر له على القمر، وهذا العراقي اسمه خليل الدليمي ويشغل مهمة رئيس هيئة الدفاع عن صدام، يخرج على شاشة التلفاز مصرحا أن صدام ظهر في القمر، وهو يحمل للقمر صورة بيده .
أطلتُ واعدتُ النظر بها عبر الفلم الذي وصلني لمرات ومرات من اصدقاء عدة ولم اميـّز سوى اخاديد القمر وتضاريسه نفسها التي طالما راقبتها، فكيف رأى ما رأى هو والامريكان الذين يشهّدهم، كونهم رأوا الصورة قبله كما صرح في المقابلة التلفزيونية.
ان يعتقد الفقراء والاميين برؤيا بطل قومي أو بطل وطني أو قائد أحبوه في القمر فهذا يحمل حيزا من القبول لا من باب القناعة العلمية، ولكن هي الميثولوجيا التي لم تتحرر منها شعوب الكرة الارضية والتي رافقتها منذ نشوء الخليقة، أمـّا ان يكون أكاديميا ومحاميا ومدافعا عن مجرم عتي، لا يختلف اثنان على سجون نظامه وأقبية أمنه، وانفاله ومقابره الجماعية التي انطقت صورها من به خرس، وحروبه التي حصدت ما حصدت، ان يكون خليل الدليمي الملتحي حدادا على رئيسه، هذا المحامي الذي بحيازته شهادة تثبت تخرجه من كلية القانون لكي يؤمن بذلك ويستغفل جمهور المشاهدين، فهذا ما يثير البكاء حقا وليس الضحك، لا البكاء عليه ولا منه، ولكن البكاء على قمر فضي يرومون تشويه وجهه عنوة .
الرابط لمن يود مواساة القمر
http://www.youtube.com/watch?v=RTd-OCdZ9oM
التعليقات