هل تستفيد الأردن من هجرة الأدمغة ورؤوس الأموال العراقية للأردن
حذرت منظمة العفو الدولية من كارثة انسانية وأزمة لاجئين جديدة حيث غادر العراق ما يقارب 2 مليون عراقي معظمهم غادروا خلال العام المنصرم. ولا تزال الهجرة اليومية مستمرة. وأشارت التقارير ان ألأردن يأخذ القسط الأكبر من المهاجرين.
وفي الوقت ذاته وجه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون نداء للدول المجاورة للمساعدة في استيعاب 50 الف عراقي يغادروا العراق شهريا.
العراق ينزف دما ويفقد طاقات بشرية ومهارات وعقول واموال وقوى عاملة منتجة هربا من الموت.
مما لا يمكن تجاهله أن الأردن فتح ذراعيه لاستقبال موجات تسونامية من اللاجئين العرب من فلسطين والكويت والعراق.
الهجرة الأخيرة من العراق كانت موضوع مقال هام في العدد الحالي لمجلة نيوزويك الأميركية.
قبل الخوض في تفاصيل المقال لا بد من القول أن الأردن كبلد منفتح ومتساهل وعقلاني ومعتدل فتح أبوابه للمظلومين من الدول العربية المجاورة. ورغم الامكانات المحدودة استوعبت الأردن أعداد هائلة من النازحين ووفرت لهم الحماية والملجأ الآمن.
كبلد انساني يحترم حقوق وكرامة الانسان لم يتوانى الأردن بتقديم ما استطاع من مساعدات وعون للاشقاء العرب رغم أنها ليست دولة نفطية غنية.
الشعب العراقي هو الخاسر الأكبر
منذ غزو العراق وقبل غزو العراق توافد للأردن عشرات الألوف من الاخوان العراقيين الذي هربوا البطش الصدامي والغزو الأميركي ولكن الارهاب الطائفي أجبر مئات الألوف للهرب من القتل الجماعي الذي ترتكبه جماعات تكفيرية زرقاوية سنية وتبع ذلك موجات أخرى تهرب من فرق الموت الشيعية المدعومة ايرانيا.
الخسارة للعراق فادحة. الهجرة الدماغية والحرفية والمهنية ستعيد العراق عشرين عاما للوراء. وعلى سبيل المثال غادر العراق 22 ألف طبيب وآلاف من اساتذة الجامعات ورجال الأعمال. البعض ذهب لسوريا ولبنان واوروبا ولكن الأردن استقبلت الأغلبية الساحقة.
أمن الأردن والتركيبة الديمغرافية في خطر
وتحت عنوان quot;الهجرة العراقية الهادئةquot; تقول نيوزويك الأميركية ان هذه الهجرة قد تهدد أمن واستقرار الأردن.
تحملت الأردن العبء الأكبر من الهجرة العراقية باستيعاب ما يزيد عن 700 الف مواطن عراقي. لكي نفهم هذه النسبة ونقدر حجم المشكلة علينا ان ندرك ان هذا يعادل حوالي 16% من سكان الممكلة الأردنية الهاشمية. وعلى المقياس العالمي هذه النسبة تعادل 10 ملايين مهاجر يدخلوا بريطانيا خلال فترة قصيرة أو 40 مليون يدخلوا الولايات المتحدة او 250 مليون يدخلوا الصين في غضون شهور قليلة.
استوعب الأردن هذه الاعداد الهائلة ولم يتذمر ولم يشتكي ولم يستجدي المساعدة رغم انه معرض للغرق ديموغرافيا تحت هذه الموجات البشرية العارمة.
لماذا يفضل النازحون الأردن أكثر من غيرها من البلدان العربية
رجال الأعمال واصحاب رؤوس الأموال والمهنيين العراقيين يفضلوا الأردن كقاعدة للعمل والعيش بسبب الأمن والاستقرار وتواجد قطاع بنكي مهني رفيع المستوى وجو أعمال ديناميكي وقوانين معاصرة تشجع الاستثمار والشغل والمجازفة التجارية. هذه المزايا الايجابية غير متوفرة في الأنظمة الدكتاتورية المثقلة بالبيروقراطية والفساد والتدخل الحكومي الثقيل الظل. الأردن يجذب المواطنين العراقيين أيضا لأنهم يجدوا الحماية والرعاية وحفظ الكرامة ضمن مقدرات اقتصادية محدودة.
الفوائد والمساويء من استقبال مئات الألوف من النازحين العراقيين:
لا شك ان نزوح رجال اعمال ومهنيين وخبراء سيفيد الأردن اقتصاديا وعمان تجتذب رؤوس الأموال لتواجد شبكة مصرفية متقدمة تتمتع بكفاءة ومهنية عالية الا ان مقابل ذلك شهد الأردن ارتفاعا هائلا في اسعار العقارات والاراضي. كثير من الشباب أجلوا زواجهم كي يتمكنوا من توفير اموال اضافية لشراء عقار سكني بسعر معقول. تشير التقارير ان أسعار العقار ارتفعت بنسبة 35% خلال العامين الماضيين. وكذلك شهدت ألأردن صعودا كبيرا في أسعار المحروقات والمواد الغذائية.
المخاوف من ظهور خلل في التوازن الطائفي
يشير تقرير مجلة نيوزويك لتصاعد القلق في اوساط الشعب الأردني ازاء الحشود المهاجرة من العراق. وحتى أعضاء في البرلمان عبروا عن مخاوفهم من وصول اعداد كبيرة من الشيعة وتأثير ذلك على البنية السكانية في الأردن. ويقول الكاتب في نيوزويك والمختص في شؤون منطقة الشرق الأوسط أن المخاوف تعود لانتشار شائعات ان عناصر من جيش المهدي الموالين لمقتدى الصدر المدعوم ايرانيا قد وصلوا الى المملكة وبهدف خلق الزعزعة والتخريب. وحتى أن رجال أعمال عراقيين قاموا بتحذير السفير العراقي في الأردن من حملة اغتيلات وخطف قد يتعرض لها عراقيون واردنيون من قبل جماعات تسربت للأردن كلاجئين ونازحين.
ويعزز هذا الاعتقاد ان خبراء في شؤون الأمن يتكنهوا أنه اذا هدأت الأوضاع في العراق ستتحول انظار جماعات التمرد والارهاب وعملاء لايران وجماعات من الناقمين والساخطين التي لا تخفي عداءها للأردن والعائلة الهاشمية بالتحديد لاعمال تخريب وتفجيرات في الأردن.
يجب عدم المبالغة في الخطر الأمني
نعيش في عالم ديناميكي متقلب ومتغير ومليء بالمفاجئات وكل شيء وارد ولا يمكن استثناء اي من الاحتمالات التي قدد تتحقق الى واقع على الأرض. ولكن لا بد من قول ما يلي:
ارجو ان لا يثير هذا المقال الذعر في الأردن واجزم في اعتقادي ان الأغلبية الساحقة من النازحين لا يهمهم سوى تأمين حياة كريمة لعائلاتهم وهم شاكرين للأردن لاعطائهم مأوى آمن ولا يوجد أدنى شك أن الغالبية العظمى تحترم وتقدر العطاء والتسامح الأردني ولكن الخوف يبقى من عناصر ومجموعات صغيرة ذات أجندة عدائية ارهابية سنية و شيعية على السواء وولاؤها لقوى خارجية لا تريد لهذا البلد خيرا.
قيادة هاشمية واعية
ألأردن بلد معطاء وكريم ومسؤول ويبقى واحة من الأمن والاستقرار والانسانية وبقيادة هاشمية حكيمة استطاعت المحافظة على استقلال ووحدة الأردن رغم كل المحاولات من اعداء الأردن الذي يحيكوا المؤامرات منذ الخمسينات لزعزعة استقرار هذا البلد.
القيادة الهاشمية الواعية خدمت الأردن وقدمت الحماية للشعب الأردني من المخاطر المحدقة به. ليس سرا أن اسرائيل لا تزال تتربص وتتآمر وتعتبر الأردن البلد البديل للشعب الفلسطيني. ولولا تصدي الحكومة الأردنية للمخطط الاسرائيلي لأخلت اسرائيل الضفة الغربية من سكانها لاكمال مشروعها الاستيطاني. وليس سرا ان دول اقليمية عربية وغير عربية لا تريد خيرا للأردن وتعمل جاهدة على زعزعة استقرار وأمن الأردن.
أمن واستقرار الأردن هو أمن للعرب والمنطقة.
نهاد اسماعيل
لندن
nehad ismail - London
التعليقات