لا أندم على شيء في حياتي السياسية الطويلة كما أندم على تأييدي لسياسات الجنرال عون ودفاعي الحماسي عنها قبل عودته من باريس. غضبت كثيراً وهاجمت وليد جنبلاط عندما شبه الجنرال بالتسونامي في مجلس النواب. لم أكن أعلم بما دار بين الجنرال ومبعوثي إميل لحود كريم بكردوني وإميل لحود الإبن من محادثات ووعود وعهود. كما أحببت أن أفسر تصريح الجنرال حول خروج القوات السورية وزوال كل أسباب الخلاف مع سوريا تفسيراً إيجابياً دون اعتواره بقطبة مخفية. وغضبت أكثر لدى قيام التحالف الرباعي وعزل الجنرال عون في الإنتخابات العامة الأخيرة.

ولا أخفيكم أنني بدأت بمراجعة موقفي المؤيد للجنرال حالما أعلن الجنرال تحالفه مع المتعاملين مع النظام السوري بصورة مكشوفة من الزعماء المسيحيين أولاً من مثل سليمان فرنجية وميشيل المر. ثم اشتبهت أكثر بالجنرال لدى توقيعه وثيقة مار مخايل واعترافه بشرعية سلاح حزب الله. وأخيراً انكشف الجنرال على حقيقته في مظاهرات كانون الأول وإقامة الخيام في وسط بيروت مهدداً باحتلال السراي الحكومي دون أن يخجل باستخدام كل العبارات الجارحة بحق أناس وطنيين مهما اختلفت معهم وقيا أنصاره في 23 كانون الثاني بحرق الدولايب وتقطيع الطرق لولا أن قام أنصار القوات اللبنانية مشكورين بطردهم من كل شوارع الشمال.

اليوم أعتب كل العتب على الذين يهاجمون حزب الله ويسكتون عن الجنرال وما تبقى من تياره quot; الوطني الحرّ quot;. أعتب كل العتب لأن حزب الله ليس أكثر من جيب إيراني ترعاه بحدب كبير الجمهورية الإسلامية الإيرانية وتزوده بأكثر مما يستوعب من المال والسلاح وذلك من أجل أن يكون الجنوب اللبناني موقعاً إيرانياً فاعلاً بجوار إسرائيل وفي الداخل اللبناني. لا يلام فقراء الشيعة كثيراً في وقوفهم المستميت وراء قيادة حزب الله التي تنفذ عن وعي تام سياسة إيرانية وذلك بسبب ما عانوا طويلاً من فقر وجوع وما تعرضوا له من امتهان. ولا تلام حركة أمل كذلك رغم أنها لا تقبض شيئاً من إيران وربما أيضاً من سوريا، فلولا مساندة حزب الله لما استطاعت المحافظة على أي كيان لها داخل الطائفة الشيعية ولما استطاعت تبعاً لذلك الحصول على الحصة الأكبر من الكعكة اللبنانية.

الدوران السلبيان اللذان يقومان بهما حزب الله وحركة أمل في الأزمة الحالية الخطيرة جداً في لبنان ما كانا ليكونان لولا استنادهما إلى تأييد الجنرال عون وكتلته المخترقة من قبل النظام السوري إن لم نقل متحالفة معه. فالكتلة العونية، التي تسمي نفسها بكتلة الإصلاح والتغيير، وعددها 21 نائباً من شأنها أن تفكفك الأزمة الحالية بكل عناصرها إذا ما انضمت إلى الأكثرية ليتجاوز عددها 90 نائباً وهو أكثر من ثلاثة أرباع عدد النواب. الجنرال عون يتخذ مثل هذا الموقف غير الوطني وغير الحر الذي يعرض الوجود اللبناني لأفدح الأخطار لسبب واحد وحيد هو حرمانه من منصب رئاسة الجمهورية من قبل أكثرية 14 آذار.

من أعلى هذا المنبر العام نناشد تآلف الرابع عشر من آذار، نناشد سعد الحريري وسمير جعجع ووليد جنبلاط، نناشدهم جميعاً بألا يسمحوا لأنانية الجنرال عون أن تحرق لبنان أو تفتته وتقطع أوصاله. أعطوه الرئاسة كي يستطيع اللبنانيون أن يحيوا حياتهم السلمية المعهودة. أعطوه الرئاسة كي يستطيع الأطفال الوصول إلى مدارسهم. أعطوه الرئاسة كيلا تغلق المصانع والمتاجر ويعود الآباء إلى عائلاتهم بدون خبز. أعطوه الرئاسة كي يجد المرضى أسباب شفائهم. أعطوه الرئاسة وقد أصبح ثمنها حرباً أهلية.

أيتها الأمهات اللبنانيات، لماذا ولدتن مثل هذا الصنف من السياسيين؟

عبد الغني مصطفى