لا ادري ما إذا كنت في حالة حلم أم في حالة علم، فقد تعودت أن أتابع الإخبار بلا نفس وبلا اهتمام وفي كثير من الأحيان اهرب من متابعتها لأنها عادة لا تجلب إلا الغم والهم والنكد، خاصة أخبار العالم العربي والإسلامي، التي دائما لا يكون فيها جديد، فهي لا تبعد عن منتحر نحر معه مجموعة أفراد ليس لهم في العيش أو طحينة، اوآلة اركبوها على سيارة مفخخة وأرسلوها لتجمع أو سوق لتفجرها وسط الجموع،أو لتعتلى جسراً وتفجره بمن فوقه، او ملثم عرض ضحيته المغلوبة على أمرها رافعاً سيفه مهدداً بقتلها، وما عدا هذا القتل لا تنقل أجهزة إعلامنا غير الخطب النارية والتحديات العنترية والهجص الذي لا يقتل ذبابة.

هذا هو حال أخبار وبرامج فضائياتنا وصحفنا التي صار الكثير منها يتعيش على مثل هذه الكوارث الأخبارية أو الأخبار الكارثية. ولكن ان تنقل أجهزة الإعلام في يوم واحد، او يومين متتاليين، خبرين سارين فهذا هو الغريب الذي لم نتعود عليه. الخبرالاول هو الذي تناقلته أجهزة الإعلام يوم الاثنين 16/4 والذي يشير إلى بداية تصالح الحكومة السودانية مع المجتمع الدولي بعد مماطلة طويلة لم يكن سببها إلا التعنت والعنتريات التي لم ولن تخدم قضية، ولم ولن تميت قضية تبناها المجتمع الدولي. هذه الموافقة التي جاءت بعد عناء شديد هي ثمرة مباشرة لجدية القمة العربية الأخيرة، والتي يبدو، وكما قلنا في مقالات سابقة وكما قال الكثيرون، يبدو انها بداية نهج جديد سوف تسير فيه الأمة العربية بعد أن سخر الله لها قيادة رشيدة متمثلة في الملك عبد الله ابن عبد العزيز ودولته،وقد رأينا انجازات هذه القيادة منذ فترة في مؤتمر مكة فيما يخص القضية الفلسطينية، ونتمنى ان تستمر هذه الانجازات لتطول كل القضايا العالقة لهذه الامة.

والخبر الآخر الذي سرني هو قيام الشعب الجزائري بمظاهرات صاخبة ضد هذا العبث التفجيري الذي ساد عالمنا، فهذه، في حدود علمي، هي أول مظاهرة في العالم العربي والإسلامي ضد الإرهاب ( او quot;ما يسمي بالإرهابquot; كما تقول القنوات وأجهزة الإعلام الداعمة له ). فقد تعودنا في السابق ان تكون المظاهرات داعمة لنهج التطرف الديني الذي يُنتج الإرهاب، سوى كان ذلك بشكل مباشر كما يفعل متطرفو باكستان واخوان الأردن، او بشكل غير مباشر كما يحرك اخوان مصر طلاب الأزهر. هذه المظاهرات التي حدثت في الجزائر تدل على ان الشعب الجزائري لم يعُد تحت عباءة القتلة المهرجون من أرباب الإسلام السياسي، او متطرفو القومية العربية الذين لم يجلبوا له ولبقية شعوب المنطقة غير القتل والفقر والدمار، او على الأقل يحاول الخروج من هذه العباءات ويريد التحرر من ربقتها، وهذه خطوة جبارة يتحدون بها صُناع الإرهاب الذين ما زلوا يعملون من خلال الفضائيات ومنابر المساجد، ويظهرون (تمويهياً) كعلماء دين، او متخصصون في شئون الإرهاب أو متخصصون في الجماعات المتطرفة، وما هم في الحقيقة إلا خلايا صاحية يرسلون خلاياهم النائمة إلى التفجير. نتمنى ان تنتشر هذه المواجهة وتعم بقية المناطق حتى تنتهي موجة الانتحار الجماعي التي سادت، ولا ننتظر تعريفاً للإرهاب كما يطلب منا صانعوه وداعموه ومروجوه.

د. سحر محمد حاتم
(كاتبة من منازلهم)