منذ أن حلت لعنة الديمقراطية على المنطقة والعالم والنظم عندنا تمانع وتقاوم وتدعم كل ما من شأنه أن يبعد هذا الشبح عن بوابات مزارعهم الخاصة التي ورثوها بقدرة القوة والعسكر وتواطؤات العالم الغربي. ولن ننسى بالطبع أن البنية الثقافية للمنطقة بنية بالأساس عاجزة. والعجز هنا في تخلفها وتخلفها يجب البحث عنه في مجمل التطورات التي كانت تشهدها المنطقة منذ العهد العثماني. هذه التطورات التي جعلت هذه البنية غير قادرة على التقاط أنفاسها، بحكم تسارع هذه التطورات وإبقاءها في حيز فعل القوة العارية التي لم تترك لإنسان المنطقة أن يكون طرفا ولو هامشيا حتى في صياغة مستقبله ومصيره. ولم تتركه في حالة راحة نسبية لكي يعيد تقييم هويته الخاصة وقدرة هذه الهوية على التلاقح مع ما أنجزته البشرية كلها. لهذا بلداننا رغم ثرواتها الهائلة لازالت بعيدة عن الركب الطبيعي لمسيرة البشرية في سياق معركة الحرية. ولازلنا في مرحلة الاستبداد الذي خلق مجتمعات على مقاسه وأحاط حركية هذه المجتمعات بالفساد والقمع. مما جعل هذه البلدان دوما بمنأى عن التغييرات الجوهرية على صعيد هذه البنية. حتى جاء الآن الأمريكي والذي زلزل الأرض تحت أقدام نظم الاستبداد. فمنها من استجاب ومنها من لم يستجب حتى اللحظة ومنها من لازال يراهن على أفول الآن الأمريكي وانحساره.والذين استجابوا نقدم لهم الشكر! أما البلدان الباقية والتي هي الآن قليلة العدد فلازالت تنأى بمجتمعها عن هذا الآن الزاحف وتحاول أن تجعله يخرج مهزوما شر هزيمة لكي لا تفكر الشعوب مرة أخرى بحريتها. وهذه الميزة الهامة ما كان لها أن تقوم وتقاوم وتمانع لولا وجود مثقفيها الذين يصمون آذان المواطن المسكين عندنا بالخطر الأمريكاني. هؤلاء المثقفون وصلوا في خطابهم هذا إلى درجة التطابق مع خطاب نظم ممانعة الديمقراطية. فلو عدنا لتصريحات السيدة الوزيرة بثينة شعبان البارحة حول الانتخابات السورية لمجلس الشعب وعدم أقبال المواطنين عليها لدرجة أن عدد الناشطين لصالح المرشحين كانوا أكثر من الناخبين في مراكز الاقتراع. حيث اتحفتنا السيدة الوزيرة بأن أحد الأسباب يعود إلى المعارضة الديمقراطية الخائنة والتي باعت نفسها للأمريكان. وبالحسبة البسيطة نجد أن هنالك تناقضا بسيطا في اتهامات السيدة الوزيرة للمعارضة. فهذه المعارضة إن كان لها هذا التأثير في مقاطعتها للانتخابات فهي قوية ولها الأكثرية من الناخبين التي لم تصوت وبالتالي هذا يكشف أن السلطة لها الأقلية من الناخبين وعلى السلطة أن تتنحى. وهذا غير صحيح وتعرفه السيدة الوزيرة.
وبالتالي يصبح كل ناخب سوري رفض الذهاب لهذه الانتخابات ـ وهم الأكثرية الساحقة ـ هم عملاء لأمريكا! وبالتالي أيضا يصبح الشعب السوري في موقع الاتهام بالخيانة العظمى لنظام الممانعة والمقاومة! وهذا تطور طبيعي في خطاب النخب الاستبدادية ومثقفيها. ثم ألا يشبه خطاب السيدة الوزيرة خطاب النخب القومية التي تشيد بنظم الاستبداد التي تقاوم الأمركة.
لقد صوت الشعب السوري على يأسه من أوضاعه. لهذا يستحق من السيدة الوزيرة أن يتهم هو ومعارضته بالخيانة العظمى وبيع نفسه للشيطان الأمريكي. ولا نعتقد أن تصريحات كهذه تحتاج إلى تعليق أكثر من ذلك.

غسان المفلح