العنوان الذي وضعته في الأساس لم يكن quot;عثمان العمير عميد الصحافة الإلكترونيةquot; وإنما كان quot;العمير الشخصية الإلكترونيةquot;. ولكن وصفي له بأنه شخصية quot;إلكترونيةquot; (الذي أقصد بها الإنترنت) لا يشير إلى تاريخ العمير الذي سبق الإنترت. أكتب اليوم عن العمير بمناسبة تكريمه ومصادفة كون يوم الخميس 3/ مايو / 2007م هو يوم quot;حرية الصحافةquot;. فقد قدم العمير الكثير للصحافة العربية والقارئ العربي منذ بداياته في تغطية الأخبار الرياضية إلى تقلده أعلى هرم الحرفة الصحفية العربية حينما كلف برئاسة تحرير صحيفة الشرق الأوسط الموقرة. العمير كان بإمكانه الاكتفاء بذلك الإنجاز ولكنه أقدم على مغامرة كبيرة في اختراق حدود quot;الواقعquot; المحسوس إلى الدنيا الرقمية (الإنترنت). إيلاف ليست مجرد صفحة إلكترونية بل هي مرسى يبحر منه صبيحة كل يوم الكثير منا إلى هذا الفضاء الإلكتروني لنعود إليها في نهاية رحلة الاستكشاف والمعرفة. لقد وفر العمير من خلال إيلاف مقرا للصحافة الموضوعية وكذلك مساحة مهمة للديمقراطية الفكرية والحرية الصحفية.

لعل تكريم عثمان العمير الإعلامي ليس مفاجأة ، وإنما تكريم العمير الإعلامي الإلكتروني هو بحق خبر يستحق الوقوف عنده. هناك فروق مهمة بين الإعلام التقليدي والإعلام الإلكتروني مع أن الاثنين قائمان على أساسيات صحفية مشتركة ومبادئ حرفية موحدة. الإنترنت يوفر أفضلية غير متوفرة في الصحافة المطبوعة وتشمل عدم التقييد ببناء ومطبعة وحبر وورق لتختزل المطبعة المهيبة إلى بضع أجهزة الكمبيوتر. مما يعني اختلافا أساسيا في النموذج التجاري المتبع للإبقاء على مثل هذا النوع من المؤسسات الصحفية يعمل دون انقطاع وذلك الاختلاف يشمل التكاليف والتسويق والعائدات. أما الاختلاف الحرفي فهو جذري ويكمن في طريقة إيصال المعلومات وفي خصائص جمهور المتابعين وفي الحرية الصحفية والمسؤولية المهنية.

هامش الحرية للصحافة الإلكترونية العربية غير مسبوق فقد تحررت من مقص الرقيب الحكومي الذي طالما استمتع باستخدام صلاحياته للتغرير بالقراء بهدف الإبقاء على مكانته الوظيفية والاستحواذ على رضاء حكومته. الصحافة الإلكترونية تتجاوز الرقيب الذي كان بالأمس يتحكم في العمل الصحفي دون مراعاة لأساسيات المهنة ، حينها كان الصحفي يعمل جاهدا على الإبقاء على علاقة الود بينه وبين رئيس التحرير ذلك الشخص الأهم في الهرم الصحفي والذي كان يوازن بين مسؤوليته الإعلامية تجاه المتابع وبين بطش الرقيب الحكومي. رغم انتهاء تلك الحقبة إلا أن بعض الحكومات تقوم بالتضييق على المدونين الذين يشيرون إلى مواطن الإصلاح في حكوماتهم وهي رقابة من نوع مختلف. اليوم يناقش الصحفيون الإلكترونيون حقائق العمل الصحفي وأخلاقياته ويضعون لأنفسهم حدودا في محاولة جادة للتجاوب مع مسؤوليات الحرفة الصحفية. لم يعد الرقيب حكوميا كما كان بالأمس بل الرقيب هو أخلاقيات العمل الصحفي والرسالة الإعلامية.

الموضوعية هدف الصحفي الإخباري. المراسلون الإخباريون الجيدون يبذلون جهدا كبيرا في محاولة الفصل بين توجهاتهم الشخصية وبين حقيقة الحدث المجرد. الامتناع عن التأثير على المتابع يتطلب جهدا كبيرا ومعرفة جيدة بحقيقة الخبر عاريا كما هو ومن ثم معرفة التوجه الشخصي الذاتي وأخيرا صياغة الخبر بأقل قدر ممكن من التأثير على توجهات ونظرة المتابع. هناك العديد من الإخباريين الجيدين كما أن هناك مجموعة واعدة وفي المقابل هناك من يسيئون إلى سمعة الإخباريين في هذا الفضاء الإلكتروني. يبدو لي أن على هؤلاء أن يقدموا كتاباتهم في تصنيفه الصحيح أي تحت باب الآراء مثلا. فلا عتب على من قدم وجهة نظره كرأي ، فلولا الآراء والتحليلات المختلفة لما استفدنا بالشكل المطلوب كقراء ومتابعين من هذا العالم الإلكتروني. عدم توافق وجهة نظر المتابع مع المحلل أو الكاتب لا يفسد للود قضية. تقبل المنطق المعروض ndash; إذا قدم صاحب الرأي عرضا منطقيا للدفاع عن رأيه وتحليله ndash; لا يعني بالضرورة تقبل الرأي والاقتناع به. لربما تكون هذه الظاهرة أحد أجل مظاهر الديمقراطية الحقة ، ديمقراطية الرأي والتعبير.

الديمقراطية الحقة هي اختلاف في الآراء والتوجهات والأهداف دون تنازل عن إنسانيتنا ونظامنا المدني. أن يؤخذ برأي الأغلبية ليس إجحافا للأقلية طالما تمكن هؤلاء القلة من عرض وجهات نظرهم والدعوة إليها من خلال الحديث عنها ومناقشتها دون تعصب من الطرف المعارض. حقول التعليق على صفحات إيلاف توفر مساحة للتدريب على ديمقراطية الفكر. مشاهداتي تؤكد لي أن هذا التدريب متفوق على غيره من الصفحات الإلكترونية الأخرى. لا عجب في ذلك فكما ذكرت في البداية فإن لهذه الصحافة الإلكترونية جمهور من المتابعين الذين يملكون قاسما مشتركا من الفكر الساعي إلى المعرفة. إذا تكريم العمير على نجاحه ليس تكريم للعمير وإنما شهادة لعثمان وفريق إيلاف على نجاحهم في موازنة عناصر الخبر بأخلاقيات الرسالة الإعلامية كما أنه شهادة للقراء والمعلقين الذين يستفيدون في معظم الأحيان من مساحة التعليق من ضمن ثقافة الديمقراطية الفكرية الحقة. هنيئا للصحافة العربية بإيلاف وبعثمان العمير شخصية العام الإعلامية ،،، شخصية العام الإلكترونية.

وليد جواد
فريق التواصل الإلكتروني
وزارة الخارجية الأمريكية
[email protected]
http://usinfo.state.gov/ar