تشهد تركيا هذه الأيام منعطفاً سياسياً مهماً على خلفية ترشيح حزب العدالة و التنمية الحاكم وزير الخارجية عبد الله غول لمنصب الرئيس. فقد ألغت المحكمة الدستورية نتائج الجولة الأولى من التصويت في البرلمان بذريعة عدم إستكمال نصاب الثلثين من عدد النواب لإجراء التصويت، الأمر الذي إعتبره رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان بمثابة quot; رصاصة على الديمقراطية quot;. و في إنتظار ما ستسفر عنه جلسة الأحد 6 /5 الخاصة بإجراء جولة أولى جديدة للتصويت، يتوقع المراقبون حدوث أزمة سياسية و دستورية، في ظل إصرار المعارضة على مقاطعة جلسات التصويت و حرمان الحكومة من نصاب الثلثين.


بالرغم من أن منصب الرئاسة في تركيا شكلي من حيث الصلاحيات و المسؤوليات، إلا أنه ينطوي على رمزية تمس طبيعة الدولة، التي وضع أسسها كمال أتاتورك في 1922. فتركيا حسب الدستور دولة علمانية، أي أن الحدود بين الدولة و الدين مرسومة بعناية، و حمايتها منوط برقابة الجيش و تدخله في أي لحظة. الخصومة التقليدية بين حركات الأسلام المعتدل و المؤسسة العسكرية تتبلور و تتطور في إتجاه حدوث مواجهة حاسمة.


الإسلاميون الأتراك الجدد قرأوا تجاربهم بعناية، و يحاولون الإستفادة من الأخطاء التي وقعوا فيها في السابق، فلجأوا الى تغيير تكتيكاتهم و مفردات خطابهم السياسي مستندين على حصيلة أعوام من الإصلاحات في السياسة و الإقتصاد، و معتمدين على النجاحات التي تحققت في عهد حكومة أردوغان. و لعل من المهم في هذا السياق التذكير بأن الرئيس الحالي المدعوم من العسكر و المعارضة إستطاع في العديد من المناسبات تعطيل الكثير من القرارات التي إعتمدها البرلمان التركي ذي الأغلبية الإسلامية من خلال إمتناعه عن التصديق على تلك القرارات، و هو ما حدى بالبرلمان لمراجعة قراراته و إعادة صياغتها بالشكل الذي يمكن تمريرها رئاسياً، قبل أن تكون نافذة، لهذا فإن تولي شخصية إسلامية بوزن عبد الله غول يجنب حزب العدالة و التنمية صعوبات إعتماد القرارات الجديدة و الإصلاحات المزمعة إجراءه، و يصعب مهمة الجيش في مواجهة الرئاسة و الحكومة في آن واحد.


و ما يلفت الإنتباه هنا هو أن هذه هي المرة الأولى التي يمكن أن تعتلي شخصية إسلامية منصب الرئاسة التركية، و الذي سيمكنه من رئاسة مجلس الأمن القومي التركي، الذي يضم في إجتماعاته الرئيس و أركان الحكومة و رئاسة أركان الجيش، و بالتالي في إن في الأمر ما يستحق من حكومة العدالة و التتنمية لبذله من أجل سحب البساط من تحت الجنرالات المتنفذة و المسلطة على رقبة الدولة. لهذا لم يكن مجافاً، وصف الصراع الحالي، على أنه معركة كسر العظام بين حكومة أردوغان الإسلامية من جهة، و الجيش حامي لواء العلمانية من جهة أخرى.


العسكر من جهتهم يرون قلاعهم تتساقط، الواحدة تلو الأخرى، و يسعون بكل الوسائل و الإمكانات كبح جماح الإسلاميين، و ربما يجدون في ترشح غول للرئاسة فرصة لتبديد المخاوف التي تحوم حول مستقبلهم، لهذا ليس من المستبعد أن يجنح الجيش الى القيام بإنقلاب عسكري، كما فعل في السابق، إن أحكم الإسلاميون التراك قبضتهم على الدولة و مفاصلها الحيوية، مستفيداً من الهاجس الدولي من تولي حكومات إسلامية سدة الحكم في دول معروفة بأنظمتها العلمانية، مناهضة للإرهاب الإسلامي المتطرف. فالمؤسسة العسكرية ذو تجربة لا يستهان بها في ميدان الإنقلابات و خلط الأوراق و تأسيس المشاهد السياسية المغايرة و لو لحين. و كل ذلك من أجل الحفاظ على وجه الدولة التي إعتاد الأتراك على العيش في ظلها.


لهذا يمكن إعتبار الوضع الحالي على أنه مفترق جديد في تاريخ تركيا السياسي، لا سيما و أنها تعيش إنبعاثاً إسلامياً غير مسبوق، ربما تتمخض عنه نهاية الجدل حول هوية تركيا، سياسياً و جغرافياً، و تتصالح الدولة مع طبيعة شعبها المحافظ.

زيور العمر