مرة أخرى يطرح السؤال نفسه : هل سيحقق مؤتمر شرم الشيخ النتائج التي تتوافق مع تطلعات وآمال الشعب العراقي؟

وثيقة العهد الدولي التي صدرت عن مؤتمر شرم الشيخ هي الورقة الوحيدة التي نستطيع القول أنها ستصب في خدمة العراق، إذ أنها تعد اعترافا دوليا بالعراق الجديد وهو بحاجة ماسة الى هذا الاعتراف الذي من أهم أهدافه دعم ومساندة العراق للعودة الى المجتمع الدولي بعد أن استبعد عنه سنوات طويلة وبالتحديد منذ غزو النظام السابق لدولة الكويت في العام 1990 وما تبع ذلك من قرارات أصدرها المجتمع الدولي من خلال هيئة الأمم المتحدة وفي ظل غياب الدعم الحقيقي من طرف الدول العربية وخير أدلتنا على ذلك عدم موافقة بعض الدول العربية على اسقاط ديونها على العراق لأنها على يقين أن ذلك يساعد في تحقيق الأمن وتأهيل البنية التحتية ونهوض العراق من جديد، فضلا عن عدم ارسالها لسفراء يمثلونها في بغداد اسوة بدول العالم الأخرى.

من المؤكد أن العراق يواجه العديد من المشاكل التي لا تقل شأنا عن مشكلة الارهاب ومنها قضية الديون الكبيرة التي ترتبت عليه نتيجة همجية وعدوانية النظام السابق، وقضية الصراع السياسي بين الأحزاب الدينية ( الشيعية والسنية ) والذي تحول تدريجيا الى صراع طائفي، لكن تبقى المشكلة الرئيسة التي يعاني منها شعب العراق في هذه المرحلة هي مشكلة الارهاب، فهل ينتظر العراقيون أن يساهم هذا المؤتمر في وقف نزيف الدائم الجاري في العراق؟

في ظل مشاركة دولية كبيرة ربما يساهم هذا المؤتمر في مساعدة العراقيين للقضاء على الارهاب، أما إذا كان الاعتماد على الأمة العربية، كما حصل في مؤتمرات سابقة، فلا نعتقد ذلك لأن أبناء هذه الأمة يتوافدون، كالخفافيش، على أرض الرافدين ليعيثوا بأرضها فسادا، فضلا عن أن مخابرات أغلب هذه الدول تقدم مساعدات مالية كبيرة الى أزلام النظام السابق لتساهم مساهمة فعالة في زعزعة الوضع بالعراق.

للأسف، لحد هذا اليوم لم يستوعب ( الأشقاء ) العرب سقوط معادلة قيادة العراق من طرف واحد هو القائد السني، بل أن صعود الطرفين الآخرين في المعادلة ( الشيعي والكردي ) قد أغاضهم جدا وجعلهم يقفون ضد التغيير ( الاجباري ) الذي حل بالعراق من خلال استخدام كل وسائل الضغط المتاحة لهم وغير المتاحة أيضا.

قيادة الدولة العراقية من طرف كردي ( جلال الطالباني ) وقيادة الحكومة العراقية من طرف شيعي ( نوري المالكي ) أخل بتوازن ( الأشقاء ) مع أنهم على معرفة تامة أن ذلك الأمر قد حصل نتيجة انتخابات، أقل ما يقل عنها، أنها أنزه من أية انتخابات جرت على الأرض التي يطلق عليها تسمية الوطن العربي ويطلق على أهلها الأمة العربية.

لهذا كله نعتقد أن أغلب الدول العربية تراهن على فشل المشروع السياسي العراقي لأسباب عديدة يقف في مقدمتها أن هذا المشروع قد يساهم في اهتزاز عروشهم وكراسيهم فالديمقراطية العراقية التي أنتجت رئيسا للعراق، كرديا، كان يعيش بين الجبال، هاربا من ظلم الجبابرة، ورئيسا للحكومة، شيعيا، كان النظام السابق يعده، في أحسن الأحوال، هنديا جاء الى العراق مع جواميس جيش محمد القاسم، هذه الديمقراطية قد تنتج في دولهم الانقلاب نفسه الذي حصل بالعراق.

نعم، مؤتمر شرم الشيخ يعد انتقالة حقيقية في دور العالم لمساعدة العراق للخروج من وضعه المأساوي، لكن يقع الدور الأهم على عاتق شعب العراق قبل حكومته التي تقع عليها مسؤولية تفكيك الميليشيات والجماعات المسلحة غير القانونية، وقبل حكومات دول العالم الأخرى فمعركة الشعب الأهم هي ليست اطفاء الديون أو الدعم الاقتصادي، بل القضاء على الارهاب الذي يستهدفهم قبل غيرهم.

طارق الحارس

[email protected]