من البديهيات المعروفة ان روح الشعب لاتموت ولاتتغير، والروح بمعناها الشامل التي تتمثل في التقاليد والعادات والمشاعر والافكار والسلوك وثوابت المجتمع وهويته... هي القدر الازلي - الابدي الذي يكتسبه شعب ما من الجغرافية التي تشكل هوية الجماعة، فالجغرافية أشبه ببصمت الأصبع الثابتة لاتتغير ملامح من ولد وعاش في احضانها.

والشعب العراقي لم يعرف عنه في يوم ما انه شعب متطرف دينياً، ومستعد ان يتخلى عن حريته الاجتماعية في أرتداء ما يعجبه من الملابس والذهاب للمسرح والسينما واقامة الحفلات وعشق الموسيقى والغناء والأستمتاع بمباهج الحياة.

ولعل تباهي العراقي بنوعية الخمرة التي يشربها واسم البار الذي يجلس فيه وكمية الشراب الذي يحتسيها.. فيه دلالة ساطعة على عشق مجنون للخمرة والتمرد ورفض القيود، فمن يقرأ الادب العراقي ويستمع الى احاديث الناس وذكرياتهم سيدهش من هذا الأحتفاء الكبير بجلسات شرب الخمر، ولو كان توجد احصائية دقيقة لوجدنا ان العراق من بين أكثر دول العالم في استهلاك كميات شرب الخمر، وهذه دلالة مهمة على روح الشعب العراقي ndash; علما أنا ضد شرب الخمر ولم أشربه قط في حياتي.

ومن المؤكد ان العلمانية ليست هي مجرد تمتع المواطن في شرب الخمر وسماع الموسيقى ونزع الحجاب، وانما هي فلسفة حياة من حيث تنظم مسار المجتمعات وعلاقة الدولة بالمواطن ونوعية نظام الحكم وفق أسس الواقعية العقلانية المتحركة حسب مقتضيات الواقع بعيدا عن سجن هذا الواقع في معتقل الاسلام السياسي وسلطة رجل الدين مع توفير كامل الاحترام لحرية المعتقد الديني للفرد.

الخبر السعيد الوحيد القادم من العراق هو اندلاع الثورة العلمانية بقوة في أرجاء البلد، فقد قام رجال مدينة الانبار الشجعان بالثورة المسلحة ضد مجرمي القاعدة ومن معهم وطاردوهم في كل مكان وهذه تعد بحق أعظم ثورة علمانية رائعة ضد تنظيمات الاسلام السياسي و القوى الظلامية الارهابية تحصل في تاريخ العراق الحديث.

ومن المثير اجتماعيا وفكريا ان يقود هذه الثورة العلمانية التنويرية القوى العشائرية!

وفي مدن كربلاء والنجف والبصرة وغيرها... أحترقت صورة رجال الدين وقدسيتهم واحترقت معهم صورة الاحزاب واصبح الناس ndash; غالبا ndash; ينظرون الى رجال الدين وعناصر الاحزاب الاسلامية على أنهم مجرد لصوص وعملاء وقتلة ويشتمونهم بشكل علني.

لقد أنتشرت أنوار العلمانية في ربوع العراق بسرعة هائلة، ولعل خروج سبعة ملايين مكالمة هاتفية من العراق صوتت الى المغنية العراقية شذى حسون اثناء مسابقة برنامج استار اكاديمي احدى الاشارات الهامة على عودة الروح العلمانية والتوازن الى الشعب العراقي.

ونستطيع القول بثقة وحزم ان وجود الاحزاب الاسلامية الشيعية والسنية قد أنتهى الى الأبد في العراق ومسألة دفنها في مقبرة النسيان مسألة وقت لاأكثر، وان هيبة رجال الدين قد سقطت واحترقت وتحرر المواطن العراقي البسيط الساذج من خدعهم ودجلهم... لقد كتب العراقي ثورته العلمانية بالدماء والحرائق وضياع الثروات... وتحرر عقله وارادته وأمسك بلحظة انوار الوعي والحرية والكرامة وسيسحق قريبا رؤوس تنظيمات الاسلام السياسي ورجال الدين، وسيعبد الله تعالى ويقدسه على طريقته المعتادة العفوية البعيدة عن التطرف والارهاب والأدلجة والتسييس.

خضير طاهر

[email protected]