في مقالي الأخير عن لقاء السيدة كوندليسا رايس والسيد وليد المعلم وزير الخارجية السورية والمنشور على صفحات إيلاف بعنوان ( مناورة أمريكية أم سورية اللقاء في شرم الشيخ ) بتاريخ 8.5.2007 جاء في تعليق أحد القراء تساؤلا سأورد التعليق كما هو نسخا عن إيلاف أيضا:
( عنوان التعليق : قطع الشك باليقين؟ الأسم : العنابي ـ أسم جميل بالمناسبة ـ يقول العنابي في تعليقه : يا أخينا المفلح لم تفلح في غربلة الكم الهائل من الغث والسمين الذي خلفه مؤتمر الشيخ وشرمه! بحثت كوندي العزيزة بحذق بالغ مع المعلم الدمشقي، في إيجاد ثغرة تنسل منها لدق أسفين في العلاقات الوثيقة السورية الإيرانية. تعلم جيدا كوندي أن التوجهات السياسية بين البلدين لا تتطابق تماما في الشأن العراقي الحالي ومآله في المستقبل، وهذا من طبيعة الأمور السياسية الجاري العمل بها بين سائر الدول رغم تحالفاتها الظرفية، وفي الإختلاف والمصالح والرؤى السياسية والأسبقيات والارتباطات التاريخية والجغرافية والسياسية. هل أفلحت كوندي في المهمة؟ أظن ظلالا من الشك تحوم حول الموضوع..فهل أفدتنا لتقطع الشك باليقين؟ ) انتهى التعليق وأرجو أن يصله ردي هذا. والذي أشكر صاحبه لأنه أثار قضية تتداولها وسائل الإعلام وهي العلاقة السورية الإيرانية.


وسأبدا من حيث الشك لأنني أشك أن الأمريكيين بهذا الغباء الذي حكم بعضا من سياستهم في العراق بأنهم يفكرون بفصم عرى التحالف الإيراني السوري الذي بني لبنة لبنة منذ عام 1980 وحتى هذه اللحظة. هذا التحالف المحكوم بجوهر لا يمكن أبدا التحلل منه وهو النابع من طبيعة النظامين المتواجدين في كل من سورية وإيران. والنابع أصلا من معادلة على غاية من الأهمية وتكمن في أن : لا السلطة في إيران قادرة على تغيير نظام ولاية الفقيه من جهة وكل استطالاتها، ولا النظام السوري قادرا على إزالة المادة الثامنة من الدستور السوري والتي تنص على أن البعث الحاكم هو قائد للدولة والمجتمع. الفارق بين الأمرين أن النظام الإيراني نظاما مؤسساتيا بالدرجة الأولى وإمكانية انقلابه على صاحبه ممكنة أكثر مما هي إمكانية قيام النظام السوري بالانقلاب على التحالف مع إيران. لأن الأخير هو الأضعف في المعادلة وهو من يحتاج إيران أكثر مما هي تحتاجه. فإيران في لحظة ما يمكن لها أن تبقي نفوذها سياسيا في لبنان دون حاجة لسلاح النظام السوري المورد إلى لبنان. ولن يتأثر هذا النفوذ كثيرا لأنه مبني على جانبين متكاملين : الأول عقائدي ديني طائفي والثاني مادي حجم المساعدات المالية التي ترسلها إيران لحزب الله هائل. كما أن النظام السوري بات أعجز من أن يضرب حزب الله وينهي نفوذه في لبنان. كل ما يستطيعه هو منع تدفق السلاح إلى حزب الله فقط وعبر الأراضي السورية. وهذا يقودنا إلى القول أن النظام السوري ونتيجة لعدة عوامل أهمها خروجه السيء ـ بالنسبة له ـ من لبنان جعله أضعف حتى من إيران داخل التركيبة اللبنانية الحالية. لهذا فإنه يتحول بالتدريج ـ وإن هنالك من يقول بأنه تحول نهائيا ـ إلى عنصر في المشروع الإيراني! والسؤال يا أخينا العنابي: ما هو الثمن الذي يحتاجه النظام السوري لفك تحالفه مع طهران؟ أولا سأبدا بالسلبي : فهو سيخرج من المولد بلاحمص من لبنان في حال فك تحالفه مع طهران. وفي العراق أيضا وسيضعف وضعه كثيرا في الساحة الفلسطينية. هذا على صعيد النفوذ الأقليمي الذي لن تعوضه دول المنطقة وأمريكا أيضا عنه بشيء مطلقا. ولن تقبل إسرائيل أيضا بمثل هذا النفوذ كتعويضا عن خسارته لإيران ولا حتى الدول العربية.

فالتاريخ لم يعد قادرا على العودة إلى الوراء بالنسبة للنظام السوري.ففي لبنان إن تخلى عن تحالفه مع حزب الله لن يجد قوى الرابع عشر من آذار لتقبل بنفوذه عليها بديلا عن تخليه عن حزب الله! ومن ثم لن يجد أوراق قوة أخرى يواجه بها استحقاقات الوضع الداخلي السوري من جهة وقضية الجولان المحتل من جهة أخرى كما يفكر هو باستثمارها دوما. أما المكسب الذي يمكن له أن يحوز عليه فهو إطالة أمد نظامه ولكن هذه المرة مهلها ضعيفا وغير قادر على إجاد مررات أخرى لسلوكه الداخلي والأقليمي. إضافة إلى عوامل أرى لاتقل أهمية عن هذه العوامل تمنع فك أواصر هذا التحالف ومن هذه العوامل أنه يتكئ طائفيا على إيران وإسلاموي على التنظيمات الإسلامية وهذه لن تعود لكي تقدم له صكوك المقاومة والممانعة في حال فك أواصر تحالفه مع إيران إلا في العراق ربما يكسب قليلا ولكنه سيكون كسبا تكتيكيا ليس ألا. أما من جهة إيران فلا داعي لأن ندخل في التفاصيل ربما نؤجله لمقالة أخرى ولكن النظام السوري هو أدة نفوذ إيراني بالمؤدى النهائي لما تطمح وتعمل له إيران منذ أكثر من عقدين من الزمن. لهذا لا أعتقد أن قضية اللقاء في شرم السيخ لها علاقة بفك أواصر هذا التحالف بل هي أقرب ما تكون لمهرجان إعلامي وجس نبض من أجل قضية العراق وتحت ضغط من اللوبي السلطوي اليعربي. أرجو أن أكون قد أجبت عن جزء من تساؤل السيد العنابي وكأنه من أنصار المنتخب القطري لكرة القدم.

غسان المفلح