القانون الأمريكي قدم لكل مواطن حريات أساسية مضمونة في دستور الولايات المتحدة الأمريكية. من ضمن تلك الحقوق حرية التعبير، والخصوصية الفردية، وحقوق الملكية، والمساواة أمام القانون، وحق الاقتراع، والحرية الدينية. غير أن الحرية الدينية لها شقان وهي حرية الفرد في المعتقد والعبادة وحق التحرر من فرض شريعة دين آخر عليه كمواطن الأمريكي. قرر مؤسسو الولايات المتحدة ضمان تحرر المواطن من

الإسلام في الدنيا الجديدة 1-3
الإسلام في الدنيا الجديدة 2-3
فرض دين آخر عليه بحظر تبني الدولة لدين ما يجبر المواطن على قبول شريعة أخرى ربما لا يؤمن بها. وبذلك تقرر فصل الدين عن الدولة وجعل أمور الحكم والسياسة والقانون معنية بخدمة الشعب وذلك من أجل العمل للمصلحة العامة، وفي نفس الوقت ضمان الحريات الأساسية التي نص عليها الدستور. الولايات المتحدة بنيت على مبدأ أن البشر لم يخلقوا لخدمة الحكومة كما هو الحال في المجتمعات الإستبدادية، بل إن الحكومة وُجدت لخدمة البشر وحماية حقوقهم.

فالقيم الاجتماعية الأمريكية من حيث مبدأ الثواب والعقاب مبنية على الفرد دون إلغاء المجتمع. وكل مواطن مسؤول عن نفسه بالمقام الأول فيكسب من محاسن أفعاله ويتكبد من سيئات تصرفاته. ويبقى المجتمع مسؤولا عن مد يد العون لا يتخلى عن مساعدة المحرومين والعجزة من فرص العطاء. فالبعض يفقد القدرة مؤقتا لأسباب صحية أو اقتصادية وآخرون محرومون لإعاقات جسدية أو عقلية. فلا يتخلى المجتمع عنهم بل يحاول الوفاء باحتياجاتهم من خلال خدمات حكومية تصرف أعباؤها من الخزينة العامة للدولة التي يقوم بتمويلها المواطنون الأمريكيون من خلال دفع الضرائب. هذا هو النظام الذي يقوم عليه المجتمع وهذه هي قيمه فالمواطنون الأمريكيون هم دافعوا الضرائب وهم المتطوعون والمساهمون فإذا ألمّ بأحدهم عجز أو ضعف استحق المساعدة وقف النظام الاجتماعي إلى جواره. وهذا النظام يؤسس العلاقة بين الفرد والمجتمع ويضمن ولاء أفراده وتفانيهم ويفتح المجال لجميع الأمريكيين بغض النظر عن اختلاف أعراقهم أو عقائدهم مجالا للتلاحم الاجتماعي والحفاظ على هذا النسيج لأجيال متعاقبة.

تلك المبادئ سهلت للمسلمين الإنخراط في المجتمع الأمريكي وجعلت الإسلام جزءا من نسيج الولايات المتحدة يحظى بكل ما يتوفر من حقوق ومسؤوليات للجميع ويساهم في المسيرة الحضارية لأمريكا. فلم يتقوقع الإسلام لينعزل عن بقية المجتمع كما يمكن أن يتصوره البعض بل هو متفاعل ومتناغم مع أفراد الشعب الأمريكي من أصحاب المعتقدات الأخرى. بل أن بعضا من أبناء الشعب الأمريكي من غير المسلمين قرر إشهار الشهادة والدخول في الإسلام. بعض هؤلاء تألق في مجال تخصصه ومن أشهرهم الملاكم محمد علي كلاي ولاعب السلة كريم عبدالجبار وفي الحقوق المدنية مالكوم إكس. يفتخر المسلمون الأمريكيون بهؤلاء الشخصيات كما أنهم يفتخرون بالدكتور فاروق الباز (الملقب في ناسا ndash; وكالة الفضاء ndash; بلقب: الملك) والدكتور أحمد زويل الحائز على جائزة نوبل للفيزياء.

آخر إنجازات مسلمي أمريكا أتت في المجال السياسي عندما ترشح كيث أليسون ليمثل ولايته في الكونغرس الأمريكي. أليسون المسلم استطاع أن يخوض انتخبات ولاية منيسوتا ويكسبها بالتزامه برسالة إيجابية مبنية على رؤيته المتفائلة لمستقبل ناخبيه بما سيقدمه لهم في العاصمة واشنطن. وعلى الرغم من أن ناخبيه في أغلبيتهم غير مسلمين إلا أن إنتمائه العقائدي لم يكن عقبة في طريق مرشح كفؤ مثله. ففوز أليسون هو شهادة لعظم ما ينجزه الملسمون الأمريكيون وهو في نفس الوقت شهادة للشعب الأمريكي الذي لم يمتنع عن التصويت لصالح مرشح مثل أليسون لمجرد إنتمائه العقائدي إلى دين مختلف.

عندما أتى وقت أداء القسم الدستوري العلني قرر أليسون وضع يده على القرآن الكريم وهو ما عارضته فئة صغيرة بحجة أن العادة جرت على استخدام الإنجيل ولكن اعتراضاتهم لم تلق أذانا صاغية. وبالفعل قام ألسون بأداء اليمين الدستوري على نسخة من القرآن الكريم كان يمتلكها الرئيس الراحل وليام جفرسون قبل 200 سنة مضت. وهو ما احتفى به الكثيرون سواء كانوا من المسلمين أم من غيرهم. إنه من الحري معرفة أن أحد مؤسسي الولايات المتحدة قد قرأ القرءان الكريم.

في هذا الفصل من حياة المسلمين الأميريكيين استطاع شخص واعد مثل كيث أليسون أن يتبوأ هذه المكانة بفضل مبادئ اجتماعية متعارف عليها وقوانين أمريكية مؤيدة لذلك العرف. فالناخب الذي صوت لصالحه في منيسوتا كان على يقين بأن ديانة أليسون هي جزء من شخصيته ولكنها الجزء الشخصي الذي ساعده على تشكيل مواقفه ومبادئه الحياتية ولكنها ليست الجزء السياسي أو الوظيفي. ذلك الجزء الوظيفي وهو الأهم للناخب الأمريكي منفصل، فالناخب يريد من يمثل مصالحه في الكونغرس ويعمل بالنيابة عنه في هذه المؤسسة المهمة. فعضو مجلس النواب يمثل دائرته الإنتخابية ويتفاعل مع الناخبين بشكل دائم ليقوم برفع الظلم عنهم وتقديم العون لهم والمطالبة بحقوقهم أمام العراقيل البيروقراطية إن وجدت.


إذا، الحرية التي يتمتع بها الأمريكيون هي ثنائية البعد. حرية من سطوة السلطة الحكومية أو العليا في فرض ما لا يرغب به الفرد، وحرية خاصة بالتصرف طالما لم يتعد الفرد على حريات الآخرين. الحرية الدينية هي إحدى تلك الحريات التي تستقى منها مبادئ الوجود الأمريكي التي تختصر في المقولة: الحرية ليست وسيلة لغاية سياسية عليا وإنما هي الغاية السياسية العليا بحد ذاتها.

نهاية الجزء الأخير (3 من 3)

وليد جواد

فريق التواصل الإلكتروني

وزارة الخارجية الأمريكية

[email protected]

http://usinfo.state.gov/ar