من الغريب حقاً ألاّ يدرك جماعة 14 آذار أن الأزمة اللبنانية وخلافاتهم مع جماعة 8 آذار غير قابلة للحل ومع ذلك تسمعهم ليل نهار يدعون إلى الحوار ولا شيء إلا الحوار ! وهم أنفسه يرددون سواء عن قناعة أم غير ذلك أن نبيه بري لا يجرؤ على اتخاذ موقف مختلف ! لئن كان العظيم نبيه بري لا يجرؤ فمن يجرؤ؟ سليمان فرنجية؟ أم وئام وهاب؟

جماعة 14 آذار مجمعون على أن موقف جماعة 8 آذار لا يعبر عن أية مصالح لبنانية، وأن كل ما تقوم به هذه الجماعة إن هو إلا أمر عمليات سوري وإيراني. لكن هذا الإجماع لم يكفِ لأن يمتنعوا عن الدعوة إلى الحوار ولا شيء آخر إلا الحوار!

وعلينا أن نسألهم هنا.. الحوار على ماذا؟! هل ستحاورونهم على فك ارتباطهم بالمحور السوري الإيراني؟! وهل لأحد بينكم قناعة في أن حزب الله يمكن أن يفك ارتباطه بإيران خاصة ويتوقف عن تلقي مئات ملايين الدولارات والأسلحة بشتى أنواعها المتطورة؟ لو كان بينكم من هو على مثل هذه القناعة فإنما هو غفل؛ فلو فعلها حزب الله لتحلل بين يوم وليلة !! قادة حزب الله يعلمون ذلك تمام العلم ولعلهم في هذا أكثر وعياً من قادة 14 آذار إذ يعلمون أن ما يحشد جماهير الشيعة وراء حزب الله ليس كاريزمية حسن نصرالله ولا تفوهه في الخطابة ولا مغالاته في معاداة إسرائيل، ما يحشدهم وراءه هو الدولارات الحلال.

إذاً علامَ يتداعى قادة 14 آذار إلى الحوار؟ والسؤال الكبير هنا هو.. هل يقبل وليد جنبلاط أن يتحالف أو يتوافق كما سبق له أن توافق مع حزب الله دون أن يقطع هذا الحزب علاقته المكشوفة مع النظام الإيراني عداك عن النظام السوري؟ لئن فعل هذا فلسوف يتهمه الشعب اللبناني بالخيانة !! ألا يتهم الجنرال عون بعد توقيع الوثيقة مع حزب الله بالإصطفاف وراء سوريا وإيران مع العلم أن عون كان قد حارب التدخل السوري بالسلاح حين كان وليد بك هو القنصل السوري في جبل لبنان؟!

قد يظن قادة 14 آذار أن شعار الحوار الذي يرفعونه اليوم عالياً بلا كلل أو ملل من شأنه أن يسهم في تعرية حزب الله وحلفائه ويخسر بذلك بعض مواقعه المتقدمة. ليسمح لنا وليد جنبلاط وسمير جعجع أن نختلف معهما في مثل هذا الظن ـ يلاحظ أن تيار المستقبل أخفض صوتاً في الدعوة إلى الحوار ـ فدعوة حزب الله إلى الحوار معناها مباشرة القبول به كما هو، أي كجيب إيراني في لبنان، والشعب اللبناني بكل أطيافه لا يمكن أن يقبل بمثل هذا الأمر.

الموقف السليم في مواجهة الأزمة الحالية في لبنان يتطلب من سائر القوى الوطنية والتقدمية اللبنانية أن ترفض أي حوار مع كتلة 8 آذار والتي هي مشبوهة ليس بفصيلها الأول، حزب الله، فقط بل بسائر تكويناتها أيضاً فهي لا تضم سوى المراهنين على منصب أو وظيفة ذات مغنم على حساب عرق وجوع الشعب اللبناني. القطط التي تنتظر لأن تأكل من فضلات الكلاب لا تستحق الاحترام.

حكومة الوحدة الوطنية ليست استحقاقاً تستحقه المعارضة الأقلية وخاصة المعارضة اللبنانية التي جلبت على لبنان أكثر من كارثة آخرها كارثة حرب تموز. للأغلبية أن تحكم وحدها كما الحال في كلب الدنيا. ولما كانت الأقلية ذات سياسة مختلفة فلتحكم وحدها ولتتنحَ الأغلبية عندئذٍ إلى مقاعد المعارضة. هكذا يجب أن يكون الموقف إزاء دعاوى حزب الله وملحقاته المضحكة.

عبد الغني مصطفى