لقد تعبت الأرض منهم.. فليرحلوا عنها
نيتشه

اللبنانيون ثلاثة ملايين ونصف المليون نسمة بحسب التقديرات الرسمية التي لم تقترب يوماً من انتهاك حرمة التعدادات وهتك كرامتها التي سوف تخلق للدولة مشاكل هي بغنى عنها!! مشاكل قد تعطي لطائفة ما أغلبية عددية على باقي الطوائف وبالتالي أفضلية على صعيد المناصب في دولة طوائفية تحكم بالتوافق عرفاً أو قانوناً بين طوائفها الثلاث الكبرى؛ المارونية والشيعية والسنية منذ دستورها الأول عام 1926 حتى دستورها الثاني أو وثيقتها الوطنية عام 1989.

ثلاثة ملايين ونصف المليون نسمة، وفي أحسن الأحوال أربعة ملايين نسمة؛ واحدة تنطح أخرى. هذا الأمر يعرفه جميع اللبنانيين لكثرة تكراره عليهم يومياً. وفي الوقت نفسه يدركون من خلال حياتهم العامة أنهم أكثر من ذلك العدد بكثير.

فالغريب في الأمر أنّ الكلام عن الهجرة المستمرة في صفوفهم بات خبراً عادياً لديهم، ولم يعد هاجساً سوى لدى السياسيين من بينهم الذين يرفعونه شعاراً بين مرحلة وأخرى بحسب الظروف المؤاتية؛ quot;هجرة الشبابquot; وquot;هجرة أصحاب الخبراتquot; وquot;هجرة الأدمغةquot; وquot;هجرة رؤوس الأموالquot;. أو في أحسن الأحوال ينادي بالأمر أحد المثقفين من علماء الإجتماع خصوصاً.. ولا شكّ أن لا أحد يعيره أذناً صاغية فالآذان ككل ّ شيء في لبنان ملكية خاصة للحكّام لا يمكن مشاركتها؛ من الممكن أن تشتريها بأموالك وتشتري معها الأصوات وquot;زي ما هييquot; أو quot;محدلةquot; أو quot;تفاهم رباعيquot; لا فارق. المهم انك لا يمكن لك الحصول عليها دون مقابل مغر ودائماً بحسب الظروف.

فاللبنانيون يعون تماماً أنّ الرقم التقديري لهم ثابت مهما هاجر منهم أو عاد منهم من المهجر.. مهما نال آلاف يعيشون في بلادهم الجنسية أو تخلى بعضهم عنها. ولا شك فإنهم ثابتون على العدد وفرعهم في السماء حتى ولو لم يبق أحد منهم داخل الوطن سوى الزعماء.

جميل فعلاً ذلك حين لا يبقى سواهم- وبالإذن من الفنان عادل إمام في مسرحيته الزعيم لكن من لدينا سيبدعون أكثر من زعيمه. عندها فليحكموا أنفسهم وليستقو الحريري على بري وعون على جنبلاط والجميل على كرامي والمر على الجميل وقانصوه على قانصوه وسعد على حدادة وجعجع على فرنجية وشمعون على قليلات (إن عاد) ما شاءوا.. وليعتمدوا الدوائر الصغرى أو الكبرى أو الدائرة الواحدة انتخابياً.. وليعطلوا المجلس الدستوري أو يعيدوا تفعيله.. وليخطفوا مجلس النواب أو يفترشوا أروقته.. وليقرأوا قانون المحكمة الدولية عوض الفاتحة على الضريح، أو يعتصموا بحبل الله جميعاً في ساحتي رياض الصلح والشهداء ولا تفرقوا..

وفي النهاية فليهاجروا بعد فقدانهم القدرة على العمل الوحيد الذي يمكنهم القيام به وهو حكمنا وجرنا كالأغنام إلى تظاهراتهم وانتخاباتهم.. عندها قد نعود لننعم يوماً واحداً بوطن بات حبه مرتبطاً بمئتي دولار انتخابية، وتقديمات مدرسية، وإعانات إنسانية، وتعويضات عن الدمار.. وطن لم تعتد رؤيته دون طبقة القذارة التي تغطيه باسم الزعماء أحياء كانوا أم أموات.

عندها فقط قد نعود لننعم بوطن خال منهم.. لكننا وللأسف سنعيد إنتاجهم أو سواهم بطريقة أو بأخرى.. فنحن في النهاية لسنا إلا جزءاً من هذا الشعب العربي الكبير من المحيط إلى الخليج، مشرقاً أومغرباً، لم نعتد يوماً الحرية.

عصام سحمراني