الرأي الذي أبداه وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر بخصوص إقليم كوردستان بأنه المكان الوحيد الذي لا يقتل فيه جنود أمريكيون، يعتبر اعتراف وتقدير من شخصية سياسية دولية كان له دور كبير في رسم سياسة وخريطة منطقة الشرق الأوسط في السبعينات من القرن الماضي بحق كردستان الذي يعتبر الملاذ الآمن للعراقيين والأمريكيين على حد سواء، بالرغم من العملية الإرهابية الأخيرة التي استهدفت وزارة الداخلية الكردستانية والتي راحت ضحيتها مواطنون أبرياء.


ولا شك أن الواقع المتسم بالأمان في هذا الإقليم العراقي المعترف به على الصعيدين الإقليمي والدولي، تقف ورائه عوامل كثيرة منها متعلقة بالمسائل الأمنية المرتبطة بالأجهزة الحكومية والحزبية والمدنية في دولة الإقليم، ومنها متعلقة بالمواطنين الكردستانيين نتيجة لوعيهم العالي بمخاطر العنف الإسلامي المسيس والإرهاب الإقليمي والدولي ومناهضتهم له بجميع أشكاله وأنواعه، وهذا ما ساعد على إرساء تفاهم مشترك غير مدون بين الشعب وحكومة كردستان للتصدي الحازم للمحاولات الإرهابية التي تأتي من خارج الإقليم لشق ستار الأمن المحيط بالإقليم.


ولكي نكون على دراية بأن هذه الأرضية الصلبة التي صبت على أرض كردستان لكي ينعم هذا الإقليم بأمن واستقرار حقيقي، تعود أسبابها الى توفر مقومات كردستانية بحتة، أرضية تفتقر إليها معظم المناطق في العراق في الوسط الذي يضم بغداد والرمادي وديالى وتكريت والشمال الذي يضم الموصل وكركوك، بالرغم من بعض التحسن الأمني الحاصل في بغداد نتيجة لتنفيذ الخطة الأمنية فرض القانون من قبل حكومة نوري المالكي، وأهم هذه المقومات الكردستانية يمكن إجمالها بما يلي:
bull;عدم إيمان وقناعة الكردستانيين من مسلمين ومسيحيين وأديان أخرى بالتطرف والتشدد الديني الذي يسحق الوجود الآخر للطرف المقابل، وهذه القناعة ليست وليدة اليوم وإنما هي وليدة أزمان وعقود وقرون سابقة سمحت بالتعايش المشترك بين قوميات وأديان ومذاهب متنوعة على أرض كوردستان.
bull;رفض الكردستانيين لمبدأ العنف وفرض الدين بالقوة واستخدام العنف، ورسوخ المبدأ الإنساني القائل لا كراهية في الدين.


bull;الرفض العام من قبل الجميع لربط مسألة نيل الحقوق القومية والوطنية الكوردستانية بالدين ورفض مطلق لربط الدين بالسياسة وتسيس الإسلام أو ما يعرف بالإسلام السياسي.
bull;الرفض الجماعي للرأي العام الكردي لسيطرة الأحزاب الإسلامية على مقاليد الحكم والسلطة في الإقليم، وهذا الأمر قد كشف عنه نتائج أكثر من انتخابات عامة في كردستان.
bull;اتسام الكردستانيين بروح التسامح والتعاون والمحبة في عموم مناطق الإقليم، واتسامهم بالتعايش المشترك لمسلمين من سنة وشيعة ومسيحيين وأيزيدين في المنطقة الواحدة، وهذه سمة مميزة يتسم بها إقليم كوردستان على الصعيد الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط.
bull;تولد إحساس جماعي مشترك بين الكردستانيين برفض الإرهاب الذي تزعمه بعض الحركات الإسلامية الإرهابية في الإقليم في السنوات الماضية، والتي حصرت تواجدها في مناطق معينة من كردستان، الى أن تم القضاء عليها بتعاون مشترك بين الببيشمركة وقوات التحالف الدولي عند بدء عملية تحرير العراق.


bull;مشاركة أغلب الكردستانيين في رؤية واحدة وهي أن العمليات الإرهابية في العراق والإرهاب الإسلامي السياسي المتواجد على الصعيدين الإقليمي والدولي، تقف ورائها جهات دولية وإقليمية بتوجهات وواجهات وجهود إستخباراتية ومخابراتية لأغراض سياسية وعسكرية وأمنية مرتبطة بتلك الجهات المعنية.


bull;وجود تعاون وثيق بين الكردستانيين والأجهزة الأمنية الحكومية للوقوف بوجه الإرهاب بالرغم من فساد المسؤولين لأرباب السلطة في الإقليم.


باختصار هذه هي أهم المقومات المؤسسة للخيمة الكردستانية المتسمة بالأمن والاستقرار، التي نأمل أن تسود مثلها كل أرجاء العراق لإستباب الأمن والسلام، واستنادا الى هذه الرؤية لواقع الحال فإن التعامل مع الحالة الأمنية العراقية استنادا الى المنظور الكوردستاني يشكل خطوة فعالة وبادرة حكيمة لزرع الثقة بين المواطن العراقي والجهات الأمنية المعنية لإرساء أساليب عمل تتسم بالجدية لمعالجة الوضع الأمني على أسس عملية لحل الملف بدراية ومسؤولية.


وطبقا لهذه الرؤية الجديدة للأمريكيين للعراق وإقليم كردستان فان الاهتمام الأمريكي الجديد يحمل في طياته ثنايا مبادرات مهمة ستضع قواعد وأسس جديدة لبناء شراكة استراتيجية بين الولايات المتحدة الامريكية والعراق الفيدرالي واقليم كوردستان، لتكون عاملا رئيسيا لتامين الاستقرار السياسي والاقتصادي في العراق بنهجه الديمقراطي ونظامه الفيدرالي ودستوره الدائم، للمساهمة الفعالة في إرساء مقومات تحويل العراق الى البلد الأمين كما هو في كردستان البلد الأمين للعراقيين والأمريكيين.

د.جرجيس كوليزادة
[email protected]