القرار1757
المحكمة الدولية وإنقاذ لبنان

أقر مجلس الأمن البارحة القانون 1757 الخاص بقيام محكمة دولية لتحقيق العدالة في قضية اغتيال الراحل رفيق الحريري وكل شهداء لبنان. هذا القرار الذي أتى متأخرا قليلا لكنه يثبت رغم تعقد المصالح السياسية والاقتصادية التي أحاطت به أن العدالة الدولية يمكن لها أن تكون موضع رهان. وكي لا نبقى أسيري أملا ربما يتم التلاعب به دما في لبنان فلابد لنا من أن نحصن هذا الأمل والذي هو العدالة الدولية. لأن تحصينه هو تحصين لكل لبنان ودفاعا عن الدم اللبناني الذي تريد العدالة في جوهرها حقنه واكتشاف من يريد للبنان أن يستمر في هذه الفضاءات الدموية المشحونة بتضارب مصالح خطر وحقيقي. العالم مسؤول عما فيه. بهذا العنوان يمكن لنا أن نتقدم في الحديث خطوة إلى الأمام لتفنيد إدعاءات كثيرة ولكن أهمها على الإطلاق هي إدعاءات المواقف التي رفضت هذا القرار وامتنعت عن التصويت. وأهم إدعاء لهم هو أن إقرار المحمة تحت البند السابع سيفضي إلى قلاقل لاتحمد عقباها في لبنان كما صرح الصينيون والروس والقطريون. والأخوة في قطر هم جزء من نبض المنطقة ويعرفون خفاياها أكثر من الروس والصينين. وهذا ما يثير الريبة في الموقف القطري الرافض للمحكمة. ومع ذلك هم امتنعوا عن التصويت ولم يرفضوا. وبذلك هم بغض النظر عن جملة التصريحات الرافضة للإعلام : فإن الامتناع هو موافقة خجولة. هكذا قرأنا الموقف القطري. لكن بعد هذه الموافقة الخجولة هل هذا من مصلحة لبنان الحديث مجددا عن أن القرار يمكن أن يؤدي إلى قلاقل في لبنان ؟ هذا هو السؤال الذي لفت نظري وأنا اتابع مجريات التصريحات الإعلامية بعد صدور القرار. أما روسيا والصين فلتصريحاتهم عمقا أكبر مما توحي به لأنهم طرف فاعل ومهم على المستوى الدولي عموما والمنطقة خصوصا. فالصين تغطي كل ما يحدث في السودان الشقيق. لدرجة أن الأشقاء في السودان باتوا يتعلمون اللغة الصينية لاستمرار الغطاء على ما يحدث في دارفور وفي عموم السودان ـ لعنة جديدة للنفط ـ وهذا مثال ليس روسيا ببعيدة عنه أيضا. أما الأطراف أصحاب المشروع وأقصد أمريكا وبريطانيا وفرنسا فهم أيضا أمام امتحان جدي من نوع مختلف الآن وهو الإصرار على حماية لبنان من ذيول هذا القرار. خصوصا فرنسا لأننا نعتقد أن فرنسا لديها موقف بشكل عام أكبر من مصالحها في لبنان بالذات نتيجة للعلاقة التاريخية بين فرنسا وهذا البلد المنكوب بحسابات السلطات الأقليمية والتي هي حسابات ضيقة ولا تراعي مصالح شعوبها فكيف ستراعي مصالح الشعب اللبناني ؟ كما لا يهمها دم من يهدر ويسجن لدى شعوبها فهل ستشعر بالذنب تجاه الشعب اللبناني ؟ الموقف السوري المعروف أعاد التأكيد عليه مصدر إعلامي صرح البارحة لوكالة سانا السورية المملوكة من قبل السلطة السورية حيث صرح المصدر الإعلامي لوكالة سانا ما يلي : صرح مصدر إعلامى مساء اليوم أنه لا تغيير فى الموقف السورى ازاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. وأوضح المصدر للوكالة العربية السورية للانباء/سانا/ان انشاء المحكمة الدولية تحت الفصل السابع يعد انتقاصا من سيادة لبنان الامر الذى قد يلحق مزيدا من التردى فى الاوضاع على الساحة اللبنانية. الغريب في الأمر وفي هذا التصريح بالذات هو حرص المصدر الإعلامي على سيادة لبنان : بعد أن مددوا لرئيس لبنان كله ودفع لبنان ولازال يدفع ثمن هذا التمديد وربما سيبقى حتى أجل غير مسمى. إن التمديد للرئيس لحود لا يعد أبدا انتقاصا من سيادة لبنان كما هي المحكمة الدولية ! بل يعد في ذلك الوقت رسالة واضحة رغم كل التحذيرات من هذا التمديد ! رسالة واضحة من قبل السلطة في سورية بأن لا سيادة للبنان إلا فيما تريده السلطة السورية. وهذا حقيقة ليس انتقاصا من سيادة لبنان بل هو محاولة نحو إلغاء نهائي لسيادة لبنان. وهذه الأطراف المتباكية الآن على سيادة لبنان والخوف عليه من القلاقل بعد صدور القرار 1757 هي نفس الأطراف التي ساهمت وتساهم في قيام السلطة السورية والإيرانية في البقاء لاعبين أساسيين في الفوضى اللبنانية ذات المؤشرت الدموية. فهل سيكون رهاننا على إنقاذ لبنان وفق روحية هذا القرار في محله أم أن الأمور ستدخل مرة أخرى إلى دهاليز الجامعة العربية لكي يحرجوا مرة أخرى السيد عمرو موسى في الدفاع عن مواقف لانعتقد أنه نفسه مقتنع بها. وإخراج الوضع اللبناني من دهاليز الجامعة العربية هو بداية لمشروع لبنان دولة مستقلة ذات سيادة.


غسان المفلح