منذ أن أسست اتفاقيات الفصل على جبهة الجولان عام 1975 لحالة اللاحرب واللاسلم بين إسرائيل والنظام السوري ونحن نعيش ذيول هذه الحالة واستطالاتها. والتي ساهمت في تأسيس نسق أقليمي من نوع خاص ومتجذر في الحالة الداخلية لكل من إسرائيل وسورية. بعد ثلاثة عقود على التأسيس الممنهج والارتجالي لهذه الحالة بات لها مصالح قوية في كلا البلدين. وخصوصا في سورية حيث أهم دعائم السلطة هي استمرار حالة اللاحرب واللاسلم ! في إسرائيل الدولة يمكننا الحديث عن مراكز قوى داخلها تمركزت مجمل رؤيتها ومصالحها على استمرار هذه الحالة على جبهة الجولان. أما في سورية فإن هيكيلة السلطة انبنت على البنية العلائقية التي خلقتها هذه الحالة سواء على المستوى الأقليمي أو الدولي أو السوري. فهذه الحالة التي أسس لها الراحل بقوة وأمسكها بقوة أيضا خلقت وضعا مريحا له في مناخ عالمي مقسوم / الحرب الباردة / وماكان لهذه الحالة أن تستمر لولا وجود هذا المناخ العالمي أيضا والميل بين الطرفين إلى تهدئة بؤر التوتر قدر الإمكان، والتعامل معها وفق أولويات بيروقراطية سوفييتة بطيئة ولها رهاناتها من جهة ومن جهة أخرى تعامل معها الغرب بطريقة عملية مباشرة وهو يؤسس في هذا السياق لهزيمة السوفييت في المنطقة والعالم. وهذا أيضا أراح الغرب من هذه الحالة على الجبهة السورية. والتي انعكست في الداخل الإسرائيلي قبولا مشوبا بالحذر لاستمرارية هذه الحالة لما توفره لدولة إسرائيل من حرية في الحركة على الجبهة الفلسطينية بشكل أساسي وقضمت من الأراضي ما قضمت وشردت من الأهالي ما شردت، ولقد اتضح بعد اتفاقيات اوسلو أن فضاء السلام مع الفلسطينين هو فضاء ضعيف ومحكوم بميزان القوة العارية من جهة والثقافة الدينية العصبوية لدى اليمين الإسرائيلي الحاكم. وهو وإن لم يكن في فترات في الحكومة ولكنه كان يمتلك القوة على إسقاط أية حكومة في حال تجاوزت خطوطه الحمر. هذه الخطوط التي تكونت أيضا في ظل هذه الحالة من اللاحرب واللاسلم. خصوصا أنها تحت الضغط الأمريكي تتوجت باتفاقيات كامب ديفيد على الجبهة المصرية. فلم يبقى في الميدان غير الشعب الفلسطيني الأعزل، هذا الشعب الذي اكتشف مؤخرا مدى مرهونية نخبه للوضع الأقليمي السلطوي العربي، وإن هذه النخب مستعدة لأن تتقاتل في الشارع وتبيح الدم الفلسطيني على أرضية هذا الارتهان ـ خصوصا بعد استشهاد عرفات ـ بمحصلة الموضوع إن حالة اللاحرب واللاسلم على الجبهة السورية باتت تحتاج إلى سلطة مختلفة وعلاقات داخلية سواء في سورية أو في إسرائيل لتجاوزها نحو السلام. وبعد هذه الصيرورة باتت إسرائيل بقواها السياسية المتورمة والمتوزعة على تيارات عدة وأحزاب كثيرة غير قادرة على التضحية بالجولان من أجل السلام. وبنفس الوقت السلطة السورية لم ولن تستطيع حل هذه المعضلة وإلا فقدت مبررا وأهم مبرر من مبررات حركيتها على كافة الصعد الداخلية والأقليمية والدولية. لهذا هي باتت الآن تلعب نفس اللعبة الإسرائيلية الداخلية وهي الهجوم الإعلامي نحو السلام والابتعاد الفعلي عنه. فأولمرت يصرح عن استعداده للتخلي عن الجولان. ويخرج نتنياهو ليقول أن الأسد الراحل قد تخلى له عن قمة جبل الشيخ كما فهمت أنا من التصريح. ومن جهة أخرى يتحفنا بشكل يومي إعلام السلطة في سورية بأنه مستعد للسلام ويرسل مفاوضين سريين وعلنيين من أجل ذلك ! والإسرائيليون يدركون مناورة السلطة هذه من جهة وعدم قدرتهم على اتخاذ مثل هذا القرار الذي يغير الحالة على الجبهة السورية كما أسلفنا.
وحماس ومعها بعض الفصائل التي تقاطع وجود أمراء الحرب فيها مع بعض المصالح الأقليمية من جهة ونتيجة للعنف الإسرائيلي من جهة أخرى نمت هذه الثقافة الإسلاموية التي تنضح بالعنف ليس كوسيلة بل أحيانا كغاية بحد ذاتها وهي في ذلك تتراقص على أنغام الأجندات الإقليمية ! فهل يمكن لحركة حماس أن تفسر لنا علاقتها بالسلطة السورية والإيرانية والقطرية من جهة وعلاقتها بالسلطة المصرية من جهة أخرى ؟ بات الأمر أكثر من واضح ولازلنا لانعرف في الحقيقة من أين لحركة حماس كل هذا السلاح ؟ إنها لم تعد قضية مهارة لمهربي السلاح خصوصا بعد الحادي عشر من أيلول 2000 ! إنها حركية سلطات قادرة على ذلك.هل وصول السلاح يتم عن طريق الأردن أم مصر أم سورية ؟ لأن وصول السلاح عن طريق لبنان شبه مستحيل أو عن طريق مافيات السلاح اليهودية الموجودة في إسرائيل كما يقول بعضهم. في هذه الحالة نجد أن هذا الهجوم الإعلامي نحو السلام من قبل السلطة في سورية أو من قبل حكومة أولمرت ليس سوى التأكيد على أنه لازال السلام بعيدا عن شعوب المنطقة وسيبقى لبنان والفلسطينين والشعب السوري تحت نيران حالة اللاحرب واللاسلم التي أسس لها الراحل مع كيسنجر بامتياز.
لو نظرنا الآن إلى اللوحة السورية ما الذي لديها لتجبر إسرائيل على إعادة الجولان ؟ نظام في الداخل تعرف إسرائيل أكثر من غيرها كيف يدير الفساد السوري عموما وتعرف أكثر ماهي أولويات الجيش السوري ؟ وبالتالي ما هي أولويات السلطة السورية حجم الضغوط الأقليمية والدولية التي ترزح تحتها. وكذلك الرئيس الأسد يعرف أيضا عدم قدرة حكومة إسرائيل على اتخاذ قرار سلام تاريخي يعيد الجولان دون ترتيب بقية أوضاع المنطقة ! فكما فهمت من تسريبات بعض الوسطاء للإعلام سويسريين وغيرهم: أن الطرفين غير مستعدين حتى هذه اللحظة للسلام. من إذن سيبقى يدفع فاتورة هذا الوضع اللقيط ؟

غسان المفلح

لقراءة مقالات اخرى في ايلاف