في رده المبطن، على عبد الله الفقير، يكشف السيد النابلسي مرة أخرى عن وجهه الطائفي والسلفي الخطير، ويمعن في استخداممايأنف من ترديده غلاة شيوخ الإفتاء وفقهاء التكفير، والذي لا يمت بأية صلة للباقة والتحضر، أو الكلام المتزن الرصين لشخصية 'أكاديمية'، يحاول أن ينتحلها، عبثاً، مولانا الليبرالجي الجديد. إذ يعود لترتيل نفس الترنيم الوهابي، ليتهمنا، هذه المرة، بأننا من بعض حلاقي النظام السوري. ولا أدري ماذا يقصد بلفظة الحلاقين، هنا، وإذا كان النظام السوري بحاجة، ويعتمد في بقائه على 'حلاقين'، ودراويش على باب الله من أمثالنا، وهو قوة عظمى كما يدعي السيد الليبرالجي، فلا بارك الله، مطلقاً، فيه.
ولا أدري متى أصبحت الوطنية سبّة، ورذيلة، في معايير الحلاقين، عفواً الليبرالجيين الجدد المزيفين. وإن كان لا يعيب المرء، أصلاً، أن يعمل حلاقاً في بلده ووطنه الأصلي، فذلك خير له ألف مرة من أن يعمل واشياً، وأجيراً، وصبي حلاق عند 'الآخرين، ويروج لخطاب، ويردد ببلاهة بذاءات المحافظين الجدد التفتيتية والعنصرية الطائفية والكلام الخبيصة العجين، وهو الحلاق المتوشح بالرداء الليبرالجي، تلك اللغة التي فعلت فعلها في العراق الجريح، ويحاول أن يعممها على باقي بلدان المنطقة.
وبما أن القضية قد تحولت كلها إلى حلاقة بحلاقة، فإليكم بعض هذه النوادر عن الحلاقين الليبرالجيين. ولا علاقة لنا، البتة، إذا تشابهت أحداث هذه النوادر وأسماؤها مع شخصيات وأحداث واقعية.
فلن أنسى، أبداً، كيف حاول هذا الحلاق الليبرالجي الأصيل، أن يحلق لي وللدكتورة وفاء سلطان، ودوناً عن سائر المشاركين، بالموس وبالساطور الزرقاوي اللعين، وعلى 'الزيرو، في مؤتمر الأقليات الشهير. والآن فقط أدركت سر تلك المحاولة غير البريئة، والآثمة. وبما أن الحف والتنعيم من صفات المؤمنين فقد كنت، وبكل صدق، 'نعمـّت' شعري حديثاً عند جارنا الحلاق الحقيقي أبو نعيم الأقرع، الذي يعمل مصلحاً لبوابير الكاز في أوقات فراغه الثمين. كما أن شـَعر الدكتورة وفاء سلطان كان، وقتها، قصيراً جداً، ولم يكن أبداً بحاجة لحلاقة، في معايير قص الليبرالجيين. غير أن الأمور تختلف كلياً حين يتناولها حلاقو الليبرالجية العربية. فحلاقو الليبرالجية العربية الجديدة، ولجهل مستفحل، وعور مستوطن، لا يعرفون، وبكل أسف، لمن تجب الحلاقة، ومن دنت ساعة 'حلاقته'، ومن يجب أن نحلق له، ومن هي الرؤوس التي أينعت وأزفت ساعتها. ويبدو أن السنوات التي قضاها حلاقنا الليبرالجي كإمام جامع، ذات مرة، ومشرف على إحدى حلقات الذكر، مرة أخرى، قد جعلت فتاويه الليبرالجية عوراء، وانتقائية فقعاء، أسوة بفتاوي شيوخه الوهابجيين المعروفين. إذ لا يرى، ولعلة لا يعلمها إلا الله، كم استطالت لحالهم، ورقابهم، وتمادوا في غيهم، وعنجهيتهم واستعراضهم الدموي المشين. وأنهم كانوا السبب المباشر في تصدير الإرهاب للعالم بأجمعه. ولا يعرف أحد، لحد اللحظة، لماذا لم يحلق لهم، أبداً، في فتاويه الليبرالجية.
وحين حطـّت الرحال بالسيد الليبرالجي في أمريكا، بعدما أنعم عليه أحد الحلاقين المتصهينين بالـ'غرين كارد، خلع الجبة والعمامة، التي كان يرتديها،علناً، في بلاد المؤمنين، ويقوم الليل مع القائمين حتى الآن، و'حلق' ما حلق، واللهم يكفينا شر كل الحلاقات، وارتدى عباءة الليبرالجي العنيف، باعتبار أن خطاب وتجارة السلف الصالح لم تعد صالحة، وبائرة في العالم الجديد، ولا يقبضها أحد، و' مو جايبه همها'. ووجد في صنعة الحلاقة الليبرالجية طريقاً جديداً للتكسب والارتزاق، وسبيلاً للعيش الرغيد، بعد أن نفض عنه ذاك الغبار الوهابي الصحراوي البليد. فإحدى موجبات الحلاقة الليبرالجية المودرن، وأسرار 'الكار' الصحيح، هي أن تصم أذنيك، وتعمي عينيك عن موبقات وفضائح ومذابح هنا، وتعود لتفضحها بامتياز، وتتناولها برجولة وإباء هناك. والتعامل بانتقائية ومزاجية عجيبة مع الناس والأحداث. وهو! ما يفعله، وبكل أسف معظم الحلاقين الليبرالجيين، وأثبت هنا صاحبنا كفاءة عالية، وبأنه حلاق ليبرالجي بدرجة أمير جماعة تكفيري سلفي، لا يجاريه في فتاويه الكيدية سوى وعاظ السلاطين.
وحين صفق، وهلل كثيراً بعد أن حلقت القوات الأمريكية للمحلوق له صدام حسين، أعتقد أن هذه الموضة، وهذه 'القـَصّة'، يمكن أن تعمم على كل الرؤوس الكبيرة في المنطقة. ولم يكن يتوقع أن يتجرأ أحد ويمد مقصه ويقوم بالحلاقة لجورج بوش ورؤوس محافظيه الطائشين الحالمة بنفط بلاد الرافدين. أو أن تقوم مقاومة وطنية شريفة وباسلة في العراق الشقيق، ومن يقف وراءها من قوى إقليمية فاعلة، بالحلاقة، وعلى الصفر، وبهذا الشكل العاري والمؤلم المهين لقوات اليانكي القتلة الرعاديد. و'حالقة'، على الماشي، بنفس الوقت، لمشروعها الشرق أوسطي العتيد، بالكامل، فشمـّر عن ساعديه، وقال هيا لنمضي، للحلاقة، مع شلة الحلاقين المتربصين بالأوطان من كل حدب وصوب.
وحين حاول، ومن خلال بيانه الأممي، الحلاقة فقط ليوسف القرضاوي، باعتباره محرضاً على الإرهاب، وكل ذلك بناء على اعتبارات سياسية، وتوصيات شخصية، ومواقف كيدية، وحركات بهلوانية، لم يجرؤ حلاقنا الليبرالجي أن يمر على كثير من الرؤوس العفنة في المنطقة، والتي يملؤها القمل والجرب، و'الصيبان' الكثير، أو يأتي على ذكرها في أي من مقالاته، وبلاغاته التي يقرع بها رؤوس المساكين.
وحينما استضافت قناة الجزيرة سيدنا الليبرالجي، قدّم نفسه على أنه أكاديمي عظيم، و'رئيس لرابطة الجامعات العربية في الولايات المتحدة'، وهذا اللقب غير موجود إلا في خياله الوسيع، وهو محض اختراع وتلفيق، وحين اكتشفت الجزيرة الملعوب الليبرالجي، وبأنها أصبحت من المضحوك عليهم والمخدوعين، حلقت له على الناعم، ونهائياً، وخسر المتفرج العربي، 'من الفرجة'، وجهه الكريم، ليكتفي بإطلالته الساحرة من على شاشة قناة 'الحرة'، ما غيرها 'تبع' المحافظين، والله يستر، علينا، وعلى الجميع.
إن من يملك كل هذه المواهب والصفات، ولدينا منها المزيد والمزيد، لا أعتقد أنه في موقع يؤهله لأن يسخر من المكونات العرقية والأقليات الدينية ويشهـّر بهم على رؤوس الأشهاد على هدي وسنة أئمته التكفيريين المشهورين، و'يحلق'، ويقيّم الآخرين، ويفرزهم بين صالح وطالح وشرير، بل أن يطأطئ رأسه مخافة أن تراه جموع الحلاقين، المتأهبين، للنتف، وجز الشعر، وإعمال مقصاتهم في شعره المستطيل. فهل علم القارئ العزيز بعد هذا الحفل والعرض الليبرالجي الحضاري المثير، أي الرؤوس يلزمها الحلاقة، ولماذا فشل الحلاقون الليبرالجيون في الشرق الأوسط القديم، وأصبحوا مثاراً للتندر والسخرية، وحل محله الخطاب الأصولي الوهابي في الشرق الأوسط الجديد؟ والجواب ببساطة متناهية بسبب هذه الازدواجية الألعابنية، ووجود مثل هذه الثعابين السلفية في أوساط الح! لاقين الليبرالجين.
ونعيماً، سلفاً، على كل هذه الحلاقات، أيها الليبرالجي العنيد.
نضال نعيسة
التعليقات