لا يا استاذ نبيل.. لن نترك الحكومة فى حالها؟

لابد من الأعتراف بأن مقالة الأستاذ نبيل التى تناولت واقع الحياة الديمقراطية فى مصر ومسرحية الأنتخابات كانت مقالة شيقة ومعبرة عن واقع الحال بدقة متناهية، ولا تحتاج لزيادة او تقليص،ولكن... ولكن.. اتوقف امام فكرة فى هذه المقال:
يقول الأستاذ نبيل (شخصياً ـ وهذا قد لا يهم الكثيرين ـ وأنا القادم من دهاليز السلطة بعد أن أفنيت فيها زهرة شبابي، لا أنصح مصرياً بالاهتمام كثيراً بشأن الحكومات، أي حكومات يهيمن عليها العسكر أو الكهنة، بل غاية ما أنشده صادقاً لمن أحبهم، أن يبتعدوا عن الحكومة قدر الإمكان، لأن في الاقتراب منها مشكلة وفي مخاصمتها مشكلة أخرى، وبالتالي فإن quot;البعد عنها غنيمةquot;، ولنهتم أكثر بأشغالنا، وتعليم أبنائنا، والانكفاء على جراحاتنا لتضميدها، وأن يربت بعضنا على أكتاف البعض، ولننغمس في أي هواية من أي نوع، سواء تربية quot;حمام الغيةquot;، أو صيد السمك، أو جمع العملات الطوابع، أو حتى المسلسلات ) ولنقل فى البداية اننى ndash; كما اشار الكاتب نفسه- لست مهتما بطبيعة عمله السابق،ولكنه حديثه عن ذلك دفع لتساؤل حول خلفية التغيير فى مواقفه بعد أن افنى زهرة شبابه فى دهاليز السلطة؟
واتجاوز هذا الجانب الثانوى الشخصى إلى الجانب الأساسى،والذى اعتبره يمس القارئ،وهو الدعوة الصريحة للأبتعاد عن حق المواطن فى اختيار السياسة والحكومة التى تحقق مصالحه، وبالتأكيد دعوتى لا تسير فى سكة ازلام الحكومة او سكة زعماء أحزاب المعارضة الأليفة،او سكة الأعلانات الأستفزازية التى يبثها التلفزيون المصرى حول ضرورة المشاركة،والتى وبكل صفاقة ووقحة تنقل صور البسطاء فى سياق يذكرنى بأغنية ملوك مصر المعروفة quot;محلاها عيشة الفلاح..متهنى عايش ومرتاحquot;.وانما أنطلق من ارضية البحث عن سبيل جاد للتغيير الجذرى الحقيقى الذى لا يمكن أن يحدث دون خروج المارد من القمم..والمارد هو المواطن المصرى الذى نجحت الحكومة فى تثقيفه بمفاهيم(..معلش فوتها المرة دى..حلال على الشاطر..اللى تكسب به اللعب به..ياعم دى الحكومة..احنا مالنا ومال الحكومة،هواحنا قد الحكومة..الخ)وعشرات وربما مئات العبارات التى تحض المواطن الغلبان على الأستسلام للموجة،وقبول ما يفصله الخياط الوحيد فى البلد اى الحكومة.


ولم يعد الوضع فى مصر مثير للدهشة أو الأستغراب،وانما يثير للأشمئزاز.وبعد هذا كله يريد الأستاذ نبيل من هذا المواطن المصرى أن يبتعد عن الحكومة،عن مصدر الداء والبلاء.وكيف ستكون حياتنا ونحن نعانى من هذا المرض الخبيث؟؟؟ يعنى حتى محاولة العلاج اصبح غير مسموح بها!!!
أن المسرحيات الكوميدية التى تحدث عنها نبيل شرف الدين،واقصد(برامج quot;قعدات الشلتquot; التي يستضيف فيها المواطن البريطاني (إياه) وصحبه الغر الميامين quot;شللquot; أصدقائهم الحاليين والمحتملين،ومهزلة quot;البيت بيتهمquot;، التي يستضيف فيها المذيع والده، والمذيعة زوجها،والبرنامج الذي يلقن خلاله الكابتن عمرو ضيوفه دروس العمر في أصول الحوار الوطني)،كل هذه المسلسلات التى دخلت الحكومة بها سوق المسلسل،لا تستهدف منافسة نور الشريف والفخرانى فى تلقين البشر اصول الأخلاق المثالية،لا تسعى للحوار مع المواطن، وانما تستهدف-كما ذكرت يا أستاذ نبيل-الديكور الديمقراطى الزائف،لأن دواء المواطن الناجع وفق نظرية الحكومة هو الترويج لمفهوم لا تتعب نفسك يا مواطن وابعد عن الحكومة وغنى لها،واتركها تفعل ما يحلو لها،لانك مش قد الحكومة!!!


ولابد أن اقول انه اذا وصلت الصحافة لهذه القناعة،فهذا يعنى بالضرورة انها فقدت مبرر وجودها، لان الصحافة التى يقع على عاتقها مهمة كشف السلبيات،وتتحمل مسؤولية السلطة الرابعة،تنتهى بمجرد ان تدعو المواطن لتجاهل جرائم الحكومة،والأبتعاد على الشر.ومن الأفضل أن لاتقوم هى-أى الصحافة- بكشف المآساة للمواطن حتى لا تدفع اصحاب النفوس الضعيفة لتجاهل نصائحها بعدم التورط فى انتقاد وفضح الحكومة.

مازن عباس

صحفى مصرى

لقراءة مقالات اخرى في ايلاف