في العشرين من أيار الماضي دخل لبنان الطور الحرج في لعبة quot; فتح كفر النظام السوري quot; عن سابق تهديد واصرار عبرت عنه الجريمة ضد الجيش اللبناني، في محاولة دنيئة لإدخال لبنان في النفق المظلم، إذ رغم تفاعل الأحداث لبنانياً وإقليماً ودولياً، لازالت الأطراف اللبنانية غير متفاعلة ومتباعدة، ولازالت المعارضة متمترسة في مواقفها السابقة التي سببت بعض معطيات الوضع الجديد، ولم تبد أي قدر من العقلانية السياسية والمسؤولية الوطنية تدفعها لقراءة الأحداث الحالية بحكمة وحرص على وحدة لبنان، والوصول إلى رؤى جديدة تكون أساساً لحل سياسي توافقي يخرج لبنان من دائرة النار التي هوفيها، بل على العكس من ذلك تستمر الخلافات والمماحكات وتتصاعد وتيرتها إلى حد بالغ الخطورة، يتأرجح فيها لبنان في حالة مجهولة تنذر تفكيك وحدته الوطنية، وتكون مقدمة لانهيار الوضع السياسي القائم بأحزابه واصطفافاته السياسية،يتبعه تداعيات خطيرة تتقلص فيها إمكانية الإحتواء والخروج من المأزق.

ولعل الأمر الخطير في الموضوع الذي جرتquot; فتح الإسلامquot; لبنان إليه هو سحب الحريق الإقليمي لداخله، إذ في الماضي القريب تداخلت على الساحة اللبنانية الأجندة السورية الإيرانية مجتمعةً ومنفصلةً، واليوم دخل حلبة الصراع البعد الإقليمي والدولي وفي أبشع أشكاله وتجلياته quot;الإرهاب والخلايا الإرهابية السرطانيةquot;، الذي يعني فيما يعنيه أن حربها ليست معزولة عن مستويات الصراع في المنطقة، ويراد لها أن تتمدد لتأخذ بعداً إقليماً ودولياً،وفي هذا الخطورة كلهاعلى تماسك الوضع اللبناني الداخلي، و الخشية كلها من زيادة تكريس حدة الإنقسام السياسي والأهلي الداخلي وتكبيره لدرجة يصعب السيطره عليه.

والخطير أيضاً أن ذلك يحدث على أبواب استحقاقات دستورية لبنانية، منها إنتخابات رئاسة الجمهورية، الذي يمهد لها سلباً وانقساماً ضمن واقع لبنان الحالي، والخوف كله من أن يؤدي ذلك إلى quot;قبرصةquot; أوquot;عرقنةquot; لبنان من جديد،أي انشطاره إلى لبنانين وحكومتين ورئيسين وربما أكثر من ذلك، مالم تقر جميع الأطراف اللبنانية بتصميمها على الحوار والتوافق وبأداء جديد هدفه الحل،وهذا ليس مستحيلاُ إذا احتكمت كل الأطراف إلى وطنيتها وتجردت من ضغط القوى الخارجية عليها، إقليمية أو دولية كانت،والرجوع إلى التمسك بالحقيقة الوطنية التي تجمع اللبنانيين الذين فرقتهم التدخلات الخارجية، الأطراف اللبنانية كافة مطلوب منها التوافق حول تشكيل المحكمة الدولية لفتح أفق العدالة وحسم مرحلة الوصاية السورية، وأكثر كشف نواياها وحرصها على التمسك بالدولة اللبنانية وتقويتها عبر تقوية الجيش وقوى الأمن اللذان أصبحا الآن صمام الأمان الوحيد لكل اللبنانيين.

وخلاف التوافق على حل سياسي، هو دفع لبنان إلى دائرة النار عبر حامل اخطبوطي مخيف يمهد لمرحلة خطيرة تعكسها الأسماء والمسميات الجديدة التي تخبئ أكثر من لغم، وبواجهات تخلط فلسطين بلبنان بتورا بورا بالعراق لتصبح الصورة تنذر بمأساة قادمة إذا استمرت الأطراف اللبنانية بنفس آلية الإستقطاب الحالية،ولم تتمكن من تقديم أداء جديد ينتشل لبنان من أنياب هذه الخلايا الإرهابية المحترفة والمأجورة لأكثر من طرف، تلك الخلايا التي زرعها المخربون الإقليميون في الوسط البائس والرخو سياسياً وأمنياً وهو المخيمات الفلسطينية، حيث تصبح أكثر تعقيداً وتكون الحلول العسكرية والأمنية مكلفة إنسانياً وسياسياً وطويلة زمنياً، تلك الخلايا وعلى خلفية ما أظهرت الأيام القليلة الماضية، يوحي بأن لها وحدات إسناد منتشرة على ساحة لبنان كله،ووراءها خزان إقليمي كبير من البائسين والبارود، وعليه يصبح لبنان مع مرور الوقت جزءاً من ساحة الحرب على الإرهاب، عندها يختلط حابل لبنان بواقع البؤس الذي يعيشه الفلسطينيون بنابل الأحداث الإقليمية،وتصبح الأولويات الداخلية اللبنانية جزء من واقع جديد له تداعيات جديدة وتوازنات جديدة أكبر من قدرة الأطراف اللبنانية على الإحتواء والحل بكثير.

خلاصة القول: لامخرج للبنان سوى بإدراك اللبنانيون ومعهم الفلسطينيون وجميع الأطراف، وأولهم الدولة اللبنانية بأن تنتقل بأدائها من مرحلة الإحتواء وإدارة الأزمة بنجاح، إلى الحسم والحفاظ على وحدة الدولة والجيش والعمل على الخروج السريع من التجاذب الإقليمي، وعلى كل الأطراف اللبنانية موالاةً ومعارضة أن يعلنوا بجرأة القطيعة الفورية أيضاً مع سياسة الخلاف والتناحر والصياح والتراشق بالتهم، وتغليب مصالح لبنان وعيش اللبنانيين والإقرار السريع بضرورة الحوار على برنامج واحد، هو التوافق على الخروج من دائرة النار،وبحث مستقبل الدولة اللبنانية على أرضية الحقيقة المؤلمة التي يجب أن يدركها اللبنانيون قبل غيرهم،وهي أن لبنان دخل مرحلة خطيرة ومجهولة، ومصيره سوف تحدده رياح الصفقات والمقايضات المتغيرة، الإقليمية منها والدولية، لبنان بحاجة لصحوة حقيقية لدى جميع الأطراف، ويقظة ضمير تحفظ للشعب اللبناني ما تبقى له من أسس العيش المشترك في ظل الإستقلال والسيادة، في خضم هذه الأعاصير التي تهز لبنان، يتوجب على الأطراف اللبنانية إثبات وطنيتها ولبنانيتها واستقلاليتها وجدارتها بعدم السماح للمقايضة على دماء اللبنانيين وكرامتهم ووحدتهم وديموقراطيتهم، وأن يكونوا بمستوى التحدي هذه المرة.

لبنان ومعه الفلسطينيون كان مرتعاً لجرائم ومقايضات النظام السوري وآخرين معه، ودفعوا ثمنها دماءً وشهداءً ومجازر وحرب أهلية عصفت بهم خراباً ودماراً وانقساماً لعشرات السنين تحت وصاية النظام السوري، والآن عندما يحشر لبنان في صراع إقليمي أكبر من قدرته، بل وأكبر من قدرة العرب جميعاً، وبهذا الشكل الذي تبدو ملامحه واضحة في نهر البارد وعين الحلوة وبيروت وطرابلس والبقاع، وبهذا التمادي من المتورطين والمتفرجين والمنتظرين، وباستمرارعدم قدرة الأطراف الداخلية على الحل يدخل لبنان أكثر فأكثر حلبة التجاذبات الإقليمية، ويصبح التقليد السائد في السياسة العربية والإقليمية والدولية quot;المقايضات quot; هو سيد الموقف، ولبنان ومعه الفلسطينيون لهم تاريخ طويل مع المساومين والمستعدين للمقايضة على آخر قطرة دم لبناني وفلسطيني، فهل ستتكرر المقايضة المأساة ويدفع الشعب اللبناني والفلسطينيون ثمن فاتورة سياسة المهزومين والمساومين والمستسلمين مرةً أخرى؟!.

د.نصر حسن

لقراءة مقالات اخرى في ايلاف