فى منتصف الأربعينات من القرن الماضى، دخل سجن بغداد المركزي يهودي اسمه عبود، وقد حكم عليه بقضية مالية أقامها عليه يهودي آخر. لم يكن السجين الجديد قد دخل سجنا قبل هذا،
فاقشعر جسمه مما شاهد فيه من عتاة المجرمين من القتلة واللصوص. ندم لأنه لم يصالح خصمه، ولأن المبلغ المختلف عليه كان من الضآلة بحيث لا يستحق دخول السجن ليوم واحد، فكيف والحكم كان شهرا واحدا بالكمال والتمام؟ أول ليلة مرت عليه كانت ليلاء لم يغمض له فيها جفن.
وفى صباح اليوم التالى جاء الحراس وأخرجوا المساجين من زنزاناتهم لغرض التريض وقضاء الحاجة، فانتشروا فى ساحة السجن الواسعة. لاحظ عبود ان المساجين انقسموا الى قسمين ومضى كل قسم الى جانب وعلت ثرثرتهم. قرر عدم الاختلاط بهم حيث أهملوه بعد ان عرفوا انه يهودي. ومرت بضعة أيام تبرم عبود بوحدته وفضل ان يتصل بباقى المساجين. سار ببطء باتجاه احدى المجموعتين، وما ان اقترب منهم حتى طلبوا منه ان يبتعد ولكنه قال لهم بأنه يرغب فى الدخول الى الاسلام. دهشوا ورحبوا به. سألهم ماذا عليه ان يفعل ليصبح مسلما؟ نظر أحدهم الى الآخر ولم يحيروا جوابا، حتى قال له أحدهم انه طالما نوى على الاسلام فهو الآن مسلم.
وفى اليوم التالى ذهب عبود يتمشى متبخترا مرفوع الرأس واتجه نحو المجموعة الأخرى، وما أن وصلهم حتى انهالوا عليه ضربا وركلا وهو يصرخ بأنه مسلم، فأجابه أحدهم بأنهم يعرفون انه اصبح مسلما ولكنه من الطائفة الأخرى. ولم يكن قد سمع سابقا بأن المسلمين طوائف متفرقة، ولكنه أقنعهم بأنه قرر أن يصبح من طائفتهم.
رحبوا به وقدموا له بعض الحلوى وغيرها. ولما تعافى عبود من الضرب قرر زيارة الطائفة الأولى وما ان وصل اليهم حتى انهالوا عليه بالضرب والسباب لأنه أصبح من الطائفة الأخرى ولم يعد منهم. أفلت من ايديهم ووقف فى منتصف المجموعتين وصاح: لست مسلما... لست مسلما وانما عدت كالسابق يهودى ابن يهودي ابن يهودي. وعند ذاك تركه الجميع وشأنه.
فى بغداد، وربما فى غيرها أيضا من مدن العراق ومنذ شهور تقف فجأة سيارة تحمل مسلحين وينزل بعضهم للامساك بأي شخص كان ويسألونه: هل أنت شيعي أم سني؟ فيجمد الشخص المسكين ولا يعرف كيف يجيب لأنه لا يعرف هؤلاء الأشخاص وانتماآتهم، ولكنه يعرف جيدا ان الاجابة الغلط ستتسبب فى قطع رأسه حتما. فهؤلاء المسلحون عقولهم ونفسياتهم لا تختلف عن المجرمين المساجين فى قصة عبود، فهم جهلاء أميون جبلت أنفسهم على الشر والجريمة ولا يعرفون من الدين غير اسمه، ولكنهم ينفذون فتوى متأسلم أفتى لهم بأن من يقتل أحدا من الطائفة الأخرى ستغفر له كل خطاياه ومصيره الجنة وحورها العين والولدان المخلدين.
ابتلي العراق بأصحاب الفتاوى والتى يصدر معظمها من السعودية وحتى من اندونيسيا على بعدها الشاسع عن ساحة المعركة. أناس مازالوا يفكرون بعقول من عاشوا قبل الف واربعمئة سنة، يتدخلون فى امور ديننا ودنيانا، وكأنهم أوصياء علينا. جارتنا ايران المصابة بعقدة الكراهية لأمريكا تحاربها على أرضنا وجندت لذلك فيما جندت صبيانا معتوهين مصابين
بنفس العقدة. وهكذا وجدنا أنفسنا بين خصمين لدودين بينهما ثارات عمرها 30 عاما. وأصابنا ما أصاب عبود. عبود تخلص من الأثنين بعودته الى دينه الأصلي، فهل سنفعل مثل عبود ونرجع الى عراقيتنا ونتخلص من كل الغرباء؟