لاشك في ان اتهام الاخر بالعمالة لمصلحة جهات اجنبية، هو من سمات العقل المأزوم العاجزعن التحليل والمتهرّب من دخول باب الحوار من منطلق احترام وجهات النظر المغايرة، ولعل التهمة التي يوجهها بعض الكتاب العرب للعراقيين المؤيدين للعملية السياسية في العراق بالعمالة لايران تارة ولاميركا تارة اخرى اضافة الى ترميزات واسقاطات تاريخية معدومةالقيمة تكشف عن عقليات بائسة لا تجيد اصول الحوار ولا تفهم ابجديات الموضوعية، ومن المعروفأنها تهمة مستلة من خطاب رث يتداخل فيه الطائفي بالقومي، يحاول الانتقاص من قيمة الآخر ونعته بكليشيهات تحقيرية كالصفوي والفارسي وعميل حكومة الملالي، وقد استوقفني رد الزميل عامر الحنتولي على مقال محمد حسن الموسوي في نقاط عديدة باعتباره نموذجا لثقافة استعداء الآخر: يؤكد الحنتولي في الأسطر الاولى من رده على ضرورة أن يحتفظ متعاطو العمل الكتابي بالحد الأدنى من احترام الذات أولا والقارئ ثانيا وهي دعوة نقضها الحنتولي في العنوان الذي اختاره وفي فقرات عديدة من رده، لعل أسوأها اتهام الموسوي بالعمالة لايران.وفي باب الاخطاء النحوية التي يراها الكاتب مدعاة لضحك الأخرين على الموسوي إضافة الى جرح كبريائه ويتطرق الحنتولي في هذه الفقرة الى مسألة الأصول، وخلافا لتصريحه على انها قضية لم يود الخوض فيها، يبدو أنها تشكل المحور الرئيس في رده كما قال لن أتمكن من القول لك عيب لأنك بالتأكيد لاتعرفه وإلا لما كتبت ماكتبت معمما أوصافك الدنيا على شعب بأكمله يحتضن وطن يقيم فيه مليون عراقي جاؤوا يستظلون فيه نعمة الأمن والأمان التي اغتالتها فرق الموت المذهبية التي تجد كل الدعم والرعاية من وطنكم الأم بلاد فارس.
ان تهمة التبعية لايران او الوطن الأم حسب الحنتولي هي تهمة تتطابق تماما مع هذيان القومجيين الجدد الذين يرفضون عروبة شيعة العراق متنكرين بذلك حتى لرموز معروفة من تيارهم القومي من ذوي اصول غير عربية أكدت الانتماء المعرفي والثقافي في الفكر القومي، وليس تاكيد عنصر العرق ورابطة الدم وتفاهات الأصل والنسب كما في الصيغة المبتذلة والرثة الشائعة بين صفوف القومجيين اليوم.يجزم الحنتولي في رده على انتماء الموسوي لايران (همجية الوطن الفارسي) وهو جزم ناتج من استنتاج فنطازي لقارئ نهم (حسب وصف الحنتولي لنفسه في بداية الرد) فمن المستبعد أن يكون صحافي كالحنتولي قد تقصى أصل ونسب الموسوي، فالموسوي حسب عقلية الحنتولي ايراني الولاء و بذلك لا بد من طرده من العراق، وفي هذه النقطة تحديدا نكون ازاء صحافي اردني يتطابق تفكيره مع النظام الديكتاتوري الزائل الذي مارس باسم القومية العربية عمليات ابادة عرقية ضد العراقيين من الكورد الفيليين ومن ذوي الأصول الفارسية، وربما كان الحنتولي جاهلا بوجود أقلية عراقية فارسية تعرضت لابادة عرقية في زمن النظام الديكتاتوري وهي تفتخر قبل كل شيء بانتمائها الأول والأخير للعراق، لذا سيكون من السخف اتهام العراقي الفارسي بالعمالة لايران، ومن البديهي ان المنطق الذي يقود الى ربط العميل والخائن بعنصر العرق والدم هو منطق هش وضحل ويكفي ان يلقي الحنتولي نظرة سريعة على الأقليات الأثنية في العالم المتحضر ليتأكد من ولائها لوطنها، ولكي يتفهم الحنتولي هذه الحقيقة أكثر لابد من ذكر مثال مستل من الواقع الأردني فهناك مئات(العرب الاقحاح) في الاردن يعملون جواسيس وعملاء لمصلحة المخابرات الاميركية مع ذلك لايمكن منطقيا القول إن العرب الاردنيين عملاء لاميركا ولنفرض ان ثمة عراقيين من ذوي الاصول الفارسية يعملون على وفق الأجندة الايرانية فهل يعقل عاقل ان تعمم الخيانة على أقلية عراقية فارسية برمتها، انها لمفارقة مخزية ان يؤاخذ الحنتولي الموسوي على التعميم ويرتكب الخطأ الفاحش نفسه.

يقول الحنتولي quot; لكن على صعيد شخصي أقول أن في العراق شعب عربي طيب يعيش كبوة الظلم والإحتلال وهمجية وطنكم الفارسي الأم..لكن لابد لقيد الليل أن ينكسر ولابد لمن سرقوا الجواز العراقي أمثالك أن يعودا الى بلاد فارس قريبا حين ينهض أبناء العراق الغيارى وبناته الماجدات من المحنة وتتشابك سواعدهم في عملية بناء لما أجهزت عليه أحقاد بلد فارس وطنكم الأم.

وفي الفقرة ذاتها، يقفز الحنتولي على هوية الاطراف الاخرى الداعمة للارهاب ويحسرها بايران فقط ويتجاهل هوية الارهابيين القادمين من المملكة الاردنية ودور الاحزاب السياسية وفي مقدمتها الاسلامية في دعم الارهابيين في العراق، فهل يعتقد الحنتولي ان الزرقاوي كان ايرانيا فارسيا؟
هل يجهل الحنتولي التقارير الدولية التي تؤكد دعم بلدان عربية غير سوريا للارهاب في العراق، ان ربط الجهات الداعمة للارهاب بايران فقط ليست الا محاولة للتعتيم على الدعم الذي تقدمه بلدان عربية اخرى للارهاب في العراق.ولا بد من تذكير الحنتولي بالدول العربية التي حاولت بشتى السبل اسقاط العملية السياسية وفتحت لهم الحدود للتدفق الى العراق وسفك الدم العراقي في الأماكن العامة في محاولة دنيئة لاسقاط الحكومة العراقية المنتخبة من قبل الشعب العراقي، وكان على الحنتولي أن يكون حذرا في استعمال تعابير كثر استعمالها في رسائل وبيانات للقاعدة والجماعات الدموية ان الحنتولي أقل شأنا من أن يتحدى شعبا برمته في قراءة النصوص التاريخية المكتوبة بالعربية، وليس من باب المفاضلة، لا ينكر انسان عربي عاقل دور الفرس في احياء وتنظيم اللغة العربية، ولكي يتأكد القارئ المحترم من النزعة البهلوانية في رد الحنتولي لابد من الاستشهاد ب الفقرة الاتية الواردة في مقالته: وأنا أتحداك اليوم وغدا وبعد ألف سنة أن تستطيع وخلفكم بلدكم الفارسي الأم أن تنسبوا هذا الحديث لرحالة من متن وبطون الكتب التي أشكك بقدرتك على قراءتها مالم تكن مترجمة الى الفارسية.
مثلما يجهل الحنتولي الدور الكبير لعلماء من بلاد فارس في إثراء اللغة العربية، يجهل ايضا ان دعوته للتطهير العرقي هي من البؤس بمنزلة تضاهي بؤس الدعوات العنصرية الفارسية التي تطالب بتطهير اللغة الفارسية من المفردات العربية، ان العصر الذهبي للعرب كان ايها الحنتولي في انفتاحهم على حضارات وثقافات الأمم الأخرى، أما الانطواء فيؤدي الى مهاترات تصل الى مستوى توظيف كلاب بوليسية لمعرفة الأنساب.

كاتب المقال رئيس جمعية الدفاع عن العراقيين من ذوي الأصول الفارسية
[email protected]